يعتقد كثيرون من رجال الفكر والأبحاث والمال أن النظام الدولي الراهن سيسود من جديد رغم الفوضى التي تسوده من حين إلى آخر، إلاّ أن الواقع اليوم يؤكد أنه مهما كانت هناك من تطورات سياسية وعسكرية، فإن ما بعد الحرب الروسية - الأوكرانية هو نهاية النظام الدولي الذي قام منذ عام 1945م.
من يتابع الاهتمام الغربي ووسائل إعلامه العديدة بما يحدث على الساحة الأوكرانية ومحاولة حشد الرأي العام العالمي ضد روسيا، يجد أنه لم يشهد من قبل مثل هذا الغضب الغربي تجاه حروب أخرى أكثر عنفاً وتدميراً اندلعت في الشرق الأوسط وغيرها من بقاع الأرض، دمّرت بلداناً، وشرّدت سكانها، في حين نرى الغرب قد وقف موقف المتفرج، إلاّ إنْ كانت معركة كييف تمثل لهم قيمة تقارب سقوط جدار برلين.
لا يستخدم الغرب في معركته مع روسيا القوى الناعمة فقط، من إعلام وحشد مؤيدين، بل يستخدم كل أدواته التي يمتلكها للردع، يحشد قواته شرقاً، ويرسل دعماً عسكرياً، ويقوّض الاقتصاد الروسي بحزمة عقوبات لم يسبق لها مثيل، كأنه يواجه للمرة الأولى معركة وجود قد تنهي مفاهيمه ومنظومة قيمه، والتي روّج لها بأنها القادرة وحدها على إسعاد الناس حول العالم دون غيرها، وقد أصبحت مرهونة بما ستسفر عنه الحرب الروسية - الأوكرانية من نتائج.
ولا شك في أن الحروب دوماً تثير تساؤلات أكثر مما تجيب عنها، لا توجد إجابات دقيقة عن مآلات الحروب ونتائجها، فمن السهل تحديد تاريخ بدئها، لكن من المستحيل تحديد وقت إنهائها، فهي كالرمال المتحركة، كلّما تقدم أحد فيها انغرزت أقدامه في دواماتها، فهذه إجابة عن سؤال لشعوب العالم عن موعد انتهائها، تلك الشعوب التي لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولكن تأثيرها مباشر على حياته، لا سيما مع زيادة المخاوف من توسع رقعتها.
لذلك ثمة أشياء ستتبلور نتيجة تداعيات هذه الحرب، وفي مقدمتها تكوين تحالفات دولية وإقليمية جديدة ستنهي حالة القطب الواحد، إضافة إلى البحث بجدية عن أنظمة مصرفية بديلة عن الغربية لتفادي سلاح العقوبات، وربما حدوث تغييرات واسعة في النظام الأساسي لمنظمة الأمم المتحدة، والذي لم يعد فعالاً في مواجهة التحديات والأزمات، مما سيفتح أمام العالم العربي فرصة سانحة - لو توفرت الإرادة السياسية لتقوية المشتركات وتنحية الخلافات - لتكوين اتحاد عربي كقوة مؤثرة وفاعلة إقليميا ودولياً.




http://www.alriyadh.com/1939691]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]