يقال: البيوت أسرار ولكن بالتأكيد ليست وحدها فالقلوب أسرار وأسرار تحمل أضعاف ما تحمله البيوت! في القلوب تدور معارك شرسة يديرها القلق أو الخوف أو الترقب أو الأمل أو اليأس أو الأسئلة التي لا نملك لها جواباً في وقت ما؛ كيف أدبر هذا؟ وكيف أفعل هذا؟ ولماذا حدث هذا ولم يحدث ذاك؟
منذ سنوات سكنت في مجمع سكني وكانت شقتي في الدور الأعلى ومن أجمل لحظات بعض أيامي هناك عندما يؤوب جميع السكان إلى بيوتهم ويهدأ المكان وتغلق الأبواب كنت أجلس في أعلى السلم فوقي السماء وتحتي البيوت المتجاورة الساكنة من الخارج. كنت أتأملها والأسئلة تتوالى ترى كم حكاية تخبئها تلك الأسقف؟ وماذا يتوارى خلف تلك الأبواب؟ أي هموم وأحلام وأحزان وأفراح تتوالد خلف كل باب؟ كيف يديرون معاركهم اليومية؟ في أيها أخفقوا؟ ومع أيها ذاقوا لذة الانتصار؟ هذه الأسئلة صارت ترافقني كلما كنت في مكان مرتفع يشرف على مجموعة من البنايات وكأنه لعبة فكرية مسلية تارة ومحزنة أحياناً وذلك بما يمليه السيناريو الذي يخطر حينها.
يقال: البيوت أسرار ولكن بالتأكيد ليست وحدها فالقلوب أسرار وأسرار تحمل أضعاف ما تحمله البيوت! في القلوب تدور معارك شرسة يديرها القلق أو الخوف أو الترقب أو الأمل أو اليأس أو الأسئلة التي لا نملك لها جواباً في وقت ما؛ كيف أدبر هذا؟ وكيف أفعل هذا؟ ولماذا حدث هذا ولم يحدث ذاك؟ ماذا لو فعلت وماذا لو لم أفعل؟ هل أتحدث؟ هل أصمت؟ وقائمة طويلة من الأسئلة والتوقعات والمخاوف وهموم كبيرة وأخرى صغيرة بعضها حديث وبعضها مضى ولكن آثارها ممتدة وكل ذلك يزاحم هم لقمة العيش اليومية التي تشارك أكبر الهموم وأصغرها عند الجميع وبلا استثناء فلا فرق بين لقمته بالملايين ومن لقمته بالقروش وكل هذا في النهاية يشكل مادة دسمة تشعل فتيل القلق المستمر الذي يتفاوت الناس في التعامل معه ومعالجته أو السيطرة عليه وتوجيهه بطريقة عمادها الإيمان والتسليم لمن يدبر الأمر من السماء إلى الأرض.
وكلنا نمر بلحظات من الضعف التي تظهر مقاومتنا غير الإيمانية في أسوأ حال فكم مرة راقبت نفسك واعترفت لها بأن غضبك من رئيسك في العمل أو من ذلك الموظف أو من جارك أو من أي غريب تعاملت معه وثرت عليه لم يكن لأنك غاضب منه بل لأن بركاناً في داخلك ثار بلا مقدمات لا في المكان الصحيح ولا الوقت المناسب، وكم من مرة بالغت في البكاء ثم انتبهت أن بكاءك في حقيقته لم يكن بسبب ذلك الفيلم أو تلك الموسيقى الحزينة بل لأنك تحتاج للبكاء على ما لا تستطيع البوح به.
هل شعرت يوماً بأنك ممثل بارع حين تطلبت منك المواقف أن تخفي همك وألمك حتى عن أقرب الناس إليك لا لشيء إلا لأنك لا ترغب لهم بمزيد من الهم فلكل همه وألمه. إن هذه القدرات التمثيلية نكتشفها في أنفسنا حين نضطر أن نلتقط أنفاسنا وننصب قاماتنا ونواصل ممارسة الحياة فنذهب لأعمالنا ونحضر المناسبات التي يعلو فيها صوت الفرح ونتلطف ونجامل ونبتسم ونغني ونرقص ليس لأننا نرغب في مشاركة الآخرين فقط بل لأننا نريد أن نحيي قلوبنا ونوقف عنها أزيز الألم..
يقول نور الدين محمد كاتب كلمات المقدمة الغنائية لمسلسل بين السماء والأرض:
عايشين في دورنا بشكل
مبهر وبضمير
أوقات بننسى إحنا مين
حصلت كتير
دلوقت كلنا ممثلين
ومزوقين وملمعين
معرفش هنمثل لمين
واحنا حياتنا تمثيلية..
نعم نحن بطريقة ما كلنا ممثلون من أجل أن نستمر.. ولهذا يبرع بعضنا في صناعة الفرح وليس مشاركته فقط، وهؤلاء هم الذين يدركون قيمة التماسك أمام الأحداث ويتقنون ممارسة الصبر الجميل والاستعانة بالقوي العليم.




http://www.alriyadh.com/1942871]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]