عادة ما يتسارع المحللون السياسيون إلى إطلاق أحكام نهائية أو عاطفية، وتحديد المنتصر والمنهزم في الحروب، مدفوعين بلغة القوة وفرض السيطرة، وإسباغ عبارات القوة على دولة، ووسم أخرى بالهزيمة والغدر لحليفهم.
هذه التحليلات أو الأحكام عادة ما تكون ضحلة أو مضللة، وكأن الدول لا تفهم القواعد السياسية أو نتائج الحروب، وهذا ما ينطبق تماماً على الحرب الروسية - الأوكرانية التي أدت إلى حالة من التضعضع في النظام العالمي، وتدحرجه إلى مزيد من اللايقين، وتشكيل حالة من الضبابية لنظام عالمي جديد غير مكتمل النمو، جاعلاً الملفات الدولية الصغيرة تنفلت نحو التطرّف الذي قد يذكي الصراعات المحلية والإقليمية والدولية.
في حقيقة الأمر، لا يوجد في النظام السياسي الدولي أغبياء وجهلة، هذه سياسات ومواقف وحروب وتدافعات تقوم على مؤسسات تخطيط إستراتيجي ومراكز فكر.
ويتضح من عمل هذه المؤسسات أن الولايات المتحدة من خلال فزاعة روسيا النووية وتهديدها أوروبا جعلت الأوروبيين أمام أمرين: مواجهة الروس من خلال إطباق عزلة اقتصادية وسياسية، أو الخضوع لمنطق روسيا القوية المهددة للأمن الأوروبي، وبالتالي تكسب واشنطن استثماراً مهماً في هذه الأزمة، توظفه لتحالف قوي ضد الصين، إذ إن أوروبا لم تكن معنية بخلاف الولايات المتحدة مع الصين، وبالتالي فإنها تحتاج إلى دعم واشنطن في الناتو لمواجهة موسكو، ولكنْ كلٌّ له حسابه.
لذلك من المبكر الحكم من هو الأكثر خسارة حتى نهاية هذه الحرب، فروسيا لا تواجه أوكرانيا وحدها، الأضعف عسكرياً، إنما تواجه حلف الناتو والولايات المتحدة وأوروبا بسياساتها وإمكاناتها، والتي قد تجعل من أوكرانيا مأزقاً إستراتيجياً حقيقياً لروسيا على المدى البعيد.
فإنهاك روسيا في أوكرانيا من خلال الانشغال بمواجهة الناتو وحلفائه، يمنعها من الالتفات للصين ودعمها لو نشب صراع بين الصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى في بحر الصين الجنوبي، وهو ما يكون قد سعت له واشنطن من خلال إستراتيجية الحرب المستعارة وإدارتها من الخلف.
http://www.alriyadh.com/1943580]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]