كنت ومازلت وسأظل أؤمن بأن "الأمن" هو شريان الحياة لأي مجتمع من المجتمعات، فبه يستقر الإنسان، ويأمن على نفسه، وعرضه، وماله، مما يتيح له فرصة العطاء والإنتاج والتفرغ لدوره الإنساني البناء. فبزوال هاجس الخوف، يشعر الإنسان بالرضا والسعادة، وتتفتق طاقاته الإبداعية التي لم تكن لتظهر لو كان هاجسه الأول توفير الأمن لنفسه ومن يعول. لقد بنيت الحضارات القديمة عندما توفر الأمن لها، وجاء الإسلام مؤكداً على هذه الأهمية الكبرى حينما قرن الأمن بالإيمان، قال سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»، بل نجد القرآن الكريم يقرن الأمن بالطعام والأموال والأولاد في أكثر من موضع، ويقدمه عليها في مثل قوله تعالى: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين».
والمتأمل في تاريخ المملكة العربية السعودية منذ قيامها عام 1139هـ إلى اليوم، يجد أن الله سبحانه وتعالى قد حقق بهذه الدولة المباركة عامل الأمن، وهو العامل المفقود في أرض الجزيرة العربية منذ العام 40هـ، بعد انتهاء دولة الخلافة الراشدة وقيام الدولة الأموية. فأمن الناس على أرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم، والتفوا حول حكام هذه البلاد المباركة إيماناً منهم بما قدموه لشعبهم ووطنهم في المجالات كافة وعلى رأسها توفير "الأمن" حتى أصبحت هذه البلاد المباركة مضرب المثل في هذا الخصوص.
وتكتنز ذاكرتنا الوطنية الكثير من القصص الشعبية التي -ومع الأسف- لم تحظَ بالاهتمام المطلوب من قبل المؤسسات المعنية بتاريخنا، والتي تستحق أن تبرز لا سيما من قبل المؤسسات التربوية المختلفة للأجيال الجديدة لما فيها من تعزيز للهوية الوطنية وإدراك واضح لمكتسبات وحدتنا الوطنية. ومن هذه القصص ما ذكره صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- عن ذلك الرجل المري الكفيف الذي قابله الأمير في الصمان، وهو لا يعلم أنه سلطان بن عبدالعزيز، وقد استضافه الأمير بهدف شراء بكرته المزيونة. وقد أخبروا الأمير بأنه يمتلك 400 ناقة من مزايين الإبل، فسأله الأمير عن كيفية عنايته بها وهو كبير في السن، وفاقد لنعمة البصر، وليس لديه من يخدمه من أبناء أو أقارب. فكانت إجابته -التي تعادل محاضرة جامعية في تاريخنا الوطني الحديث- كما يلي: "لي بنت متزوجها رجل صالح وإذا ربعت الأرض أتاني في مكاني في الرملة في الربع الخالي، وأخذني وإبلي وربعنا أربعة أشهر، وإذا انتهى الربيع أخذ زوجته وذهب لعمله في شركة أرامكو، وأنا وقتها أسلمها لفيصل، يقودها فيصل ويرعاها". رحم الله مؤسس هذا الوطن العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وأبناءه البررة من الملوك الذين حكموا، وأطال في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وحفظ لنا نعمة الأمن والأمان.




http://www.alriyadh.com/1947592]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]