هل ثمة آثار ردة فعل لعمليات التحضر المتواترة على البيئة وتشويه لسماتها؟
للبدء في الإجابة على هذا السؤال نرى أن من الأهمية بمكان أن نتعرف على مدى تأثير عمليات التحضر، وكذلك التصنيع على البيئة، فبالنسبة لازدياد عدد السكان وكثافتهم فإن ذلك يساعد على انبعاث نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وتقلص نسبة الأكسجين في الجو كما أن المساحات الخضراء ستبدأ في التناقص والتقلص مع ازدياد مساحات التحضر، كما أنه سيزداد الطلب على الماء بصفته مادة حيوية للحياة والاستقرار كما أن الكثافة السكانية لها تأثير على الحياة النفسية والصحية والاجتماعية للسكان، وبازدياد السكان فإن درجات الحرارة ستأخذ في الارتفاع كما أن الإقبال على استنزاف مصادر المياه بسبب التحضر سيزيد من تلوث البيئة، وبالنسبة لوسائل المواصلات فإنها ستسهم في تلوث البيئة عن طريق انبعاث الغازات من الوقود المحترق وانبعاث الأدخنة الكيماوية وبخاصة ما تحتويه من عنصر الرصاص من بعض الماكينات، هناك أيضا ارتفاع نسبة الضوضاء والمخاطر الصحية نتيجة لذلك وما سيزيد أيضا من نسبة تلوث الجو.
والمخاطر التي يخلفها التحضر على البيئة وبخاصة المياه كبيرة وبعيدة الأثر بسبب كمية المياه العذبة والصالحة للاستخدام الكبيرة والكثيرة التي يجب توفيرها وتأمينها للسكان وما سيخلفه ذلك من كميات كبيرة أيضا من مياه الصرف الصحي التي يجب إزاحتها والتخلص منها بوسائل وطرق صحية سليمة. وتعتبر مياه الصرف الصحي وكمياتها الكبيرة مسؤولة إلى حد كبير عن التلوث التي يلحق بمياه الشرب النظيفة والتي تتطلب نفقات كبيرة في تحليتها وجلبها وتوزيعها، كما أن المخلفات والنفايات التي تطرح وتتراكم في الأراضي الخلوية تشكل عاملا أساسيا في تلوث المياه.
إن تأثير الصناعة على البيئة قد يمثل ضررًا أخف بالمقارنة بالتحضر نظرا لأن التأثير ينحصر في مجموعة صغيرة من الاهتمامات، فبالنسبة للبتروكيماويات فإن الجو سيتأثر بأعمال المصافي وانبعاث الغازات السامة من المصانع، كما أن المياه ستتأثر من جراء الانبعاثات المنطلقة من المداخن والتي ربما تستقر أخيرا في مصادر المياه وتختلط بها، كما أن التخلص من النفايات الصناعية أو التسرب الذي يحدث عرضا أو أثناء النقل أو التخزين، كما أن الحياة الطبيعية والكائنات البحرية ستتأثر قطعا من جراء العمليات الصناعية، وفي هذا ربما القضاء على الحياة والكائنات الطبيعية، كذلك ستتأثر الصحة العامة بسبب انبعاث الغازات والملوثات السامة.
ويعتبر التحضر والتصنيع ظاهرتان معروفتان على نطاق عالمي واسع، فهناك الكثير والكثير من البشر يتقاطرون للمدن ليقطنوا بها ويعيشوا فيها مما يزيدها كبرًا واتساعًا. وهذه التجمعات البشرية ذات الكثافة العالية تتطلب مياهًا صاحة للشرب والاستخدام، كما تتطلب أيضًا هواءً نقيًا صالحًا للتنفس والحياة الصحية المريحة، كما تتطلب كذلك التخلص الصحي من النفايات التي تنجم من سير الحياة ودوراتها، كذلك إلى أنظمة حديثة من شبكات المواصلات إلى جانب مرافق الترويح والترفيه.
إن صناعة الزيت ذاتها قد تسبب آثارًا سيئة على البيئة منذ البدء في البحث والتنقيب والتكرير وحتى الشحن والاستخدام أو التصدير، فعند البحث عن مكامن الزيت سواء كانت على الأرض أم في أعماق البحار فيجب التحكم في الآبار التي يجري التنقيب عنها ومعرفتها جيدًا خشية افتقادها فتكون مصدرًا لتسرب الزيت الذي سيضر قطعًا بالحياة البرية أو البحرية، إن تسرب كميات من الزيت ربما تسبب نفوق الحيوان وإبادة الطيور إذ أن تلوث السواحل ينجم عنه ضرر حيوي (بيولوجي) مدمر للكائنات البحرية والمركبات العضوية قرب الشواطيء مثل القواقع والأسماك وغيرها. إن تأثر تسرب الزيت في عمق البحر له أيضا ضرره الفادح على الحياة البحرية والثروة السمكية، كما أن ثمة مخاطر وأضرارًا قد تنجم من تسرب الزيت أثناء إنتاج الزيت وتجميعه قبل البدء بعملية شحنه إلى المصافي ومعامل التكرير، فعند تلك المصافي والمعامل هناك احتمال لانبعاث غازات الهيدروكربون وأكسيدات الكبريت والنيتروجين والذي ينجم عنه أكسدة المياه الأمر الذي قد يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي للإنسان، كذلك غاز كبريت الهيدروجين السام جدًا وذو الرائحة الكريهة، كذلك غاز ثاني أكسيد الكربون المسمم للغلاف الجوي. ومن المعروف أن الزيت يشحن بواسطة البواخر ذات الصهاريج الضخمة أو بواسطة الأنابيب بكميات كبيرة؛ وهاتان الوسيلتان ليستا معصومتين من تلويث البيئة، ولقد سمعنا عن الكثير من حوادث غرق البواخر واصطدامها وعطبها والذي نتج عنه تلوث واسع يصل أثره إلى الشواطئ والسواحل. وقد يعتبر ضخ الزيت في الأنابيب أخف ضررا على البيئة وذلك لتوفر وسائل التحكم والهيمنة عليه بشكل أكبر.
إن تأثر البيئة بالغاز الطبيعي يعتبر إلى حد كبير أقل ضررًا من آثار الزيت، فمثلا انطلاق الغاز الطبيعي (الميثان) في البيئة قد يكون له تأثير بسيط على البيئة بشرط أن لا يكون هناك حريق أو انفجار مصاحب له، فغاز الميثان معروف بأنه سرعان ما يتبخر ويتلاشى بسرعة في طبقات الجو مخلفاً آثارًا لا تذكر على البيئة.
جامعة الملك سعود
http://www.alriyadh.com/1949321]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]