خلال جائحة كورونا كنت أتابع تطورات خطاب أحد عرابي تطوير الذات والعلاج بالطاقة، ممن يعرفون بأنفسهم على أنهم دعاة «سلام وحب وتنوير»، كان هذا الناشط مستاء جداً من القيود التي فرضتها الجائحة، ويرى أن الكمامة والإجراءات الاحترازية واللقاحات هي اعتداء على حرية الناس وتدخل في مجرى الطبيعة، بل كان يشكك في وجود الوباء.
تطور الخطاب لهذا الناشط إلى ما يشبه الدعوة للعصيان وعدم الامتثال لتعليمات الجهات الصحية والوقوف في وجه القيود التي تفرضها الحكومات لحماية شعوبها من الجائحة. هذا الناشط يمتلك شريحة كبيرة من المتابعين الذين تتنوع خلفياتهم الثقافية والعلمية من البسطاء والسذج، وحتى أساتذة الجامعات والأطباء والمثقفين، إلا أن النمط الذي يربط الغالبية منهم هو تسليمهم وإذعانهم لكل ما يقوله إلى درجة تصل إلى الاستجابة بانقياد تام لتعاليمه وتوجيهاته.
أتذكر خلال الأزمة حواراً دار بيني وبين بعض الأصدقاء حول حالة هذا «المعلم» الروحي، وكيف تطور خطابه من الحب والسلام إلى التحريض على عصيان الحكومات وعدم الاستسلام للإجراءات الاحترازية والتحايل على القوانين التي فرضتها الحكومات بشأن اللقاحات، كان من الواضح أن أتباعه معبؤون وجاهزون للانطلاق في أي اتجاه يشير عليه.
كان الحوار يدور حول خطورة تحول الحركات الأيديولوجية التي تصف نفسها بالسلام والمحبة والمطالبة بحقوق الأقليات والمضطهدين؛ نحو العنف وإلغاء الآخر بمجرد أن تشعر تلك المجتمعات التي تقودها أيديولوجيا معينة بخطر وجودي، أو بقيود تحد من حريتها في الحركة، والتاريخ يعج بالكثير من النماذج لحركات ومجموعات ولدت تحت راية اللاعنف والحب والسلام وتحورت عبر الزمن لتوغل في الإرهاب وتسفك الدماء وتنسف من يخالفها.
في حقبة الثورة الاتصالية التي نشهدها الآن، تتشكل الكثير من الحركات التي تدعو لاحترام حقوق الأقليات والفئات المضطهدة في المجتمع، شعارها الذي تنطلق منه هو ضمان حرية الفرد المقهور وحقوقه، لكن حزمة المعتقدات التي تقوم عليها لا تلبث أن تتطور وتتحور، وينخرط فيها أتباع متطرفون لتتحول بعد فترة إلى شيطنة الآخر ومن ثم اللجوء للعنف كوسيلة للبقاء والتمدد.
ليست كل الحركات العنيفة دينية الجذور، هناك الكثير من الأيديولوجيات والحركات المجتمعية التي تتحور وتتحول عبر الزمن لتصبح خطراً على البشرية، خصوصاً عندما ينسى الجيل الجديد من أتباع تلك الحركات مبادئ السلام واللاعنف التي قامت عليها حركتهم؛ ويبرروا لأنفسهم كل الطرق التي يستخدمونها، مهما بلغت بشاعتها، لتحقيق أجنداتهم وضمان استمرارها.




http://www.alriyadh.com/1953662]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]