أصبحت الحاجة لثقافة التعايش ضرورة ملحة؛ فجميع الثقافات والأديان والشرائح تدعو إلى التعايش السلمي فيما بينها، وتشجيع لغة الحوار والتفاهم والتعاون بين الأمم المختلفة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف نستطيع تعليم الأطفال وتربيتهم على المعنى الحقيقي لاحترام الآخر والتعايش؛ كي نبني مواطناً لديه القدرة على فهم أكثر انفتاحاً للعالم وليس مجرد محيطه فقط، يجب أن نخلق من أطفالنا مواطنين عالميين.
المواطنة العالمية هو مصطلح يصف لنا إنساناً يستطيع التفاعل على مستوى عالمي مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته وموطنه، وقد انتشر استعمال هذا المصطلح زمن العولمة؛ لحاجة الإنسان لمهارات المشاركة المدنية الفاعلة مع الآخر واحترام التنوّع. فإنسان اليوم لا يستطيع العيش بمعزل عن الثقافات الأخرى، وفي الوقت ذاته يجب أن تكون لديه الثقة والإيمان التام بأن الآخر مهما اختلف يبقى جزءاً من المجتمع يجب التعامل معه بالإنسانية والمحبة الحقة كونه إنساناً.
يساعد تعزيز مفهوم المواطنة العالمية على الانخراط السليم للأفراد في مجتمعات غير مجتمعاتهم الأصلية، ويضمن قيام الأفراد بمسؤولياتهم الاجتماعية وعملهم البناء في جميع المجتمعات التي قد يوجدون فيها، بغض النظر عن كونها مجتمعاتهم الأصلية أم لا، وتبرز أهمية المواطنة العالمية في مساعدة الأفراد بعضهم في القدرة على التكيف وخاصة عند السفر والانتقال إلى أماكن غير معتادة للفرد، إذ تساعده المواطنة العالمية بضمان وجود أفراد في المجتمعات الأخرى يتقبلونه ويقدمون له يد العون والمساعدة.
نستطيع الوصول إلى هذا الهدف السامي بالتربية الثقافية والوطنية والروحية، فكرنا يوماً كيف نهذب أرواحنا لنعيش مع الآخرين دون النظر إليهم بتعالٍ أو العكس؟ الأم هي المربية الأولى، هي المعلم الأول، هي علاقتنا الأولى بالوجود، هي من تغرس فينا اللغة الأولى والكلمات الأولى، فإما تربينا على أننا جميعاً سواسية وهي تبرمج الطفل بعدد كبير من المصطلحات التي تغدو فيما بعد جزءاً من قاموسه اللغوي.
إن الأمر المهم في التربية الروحية الأخلاقية هو القدوة، والأم القدوة والمثال والمعلم والأصدقاء، لقد مضى الزمن الذي نعلم فيه أطفالنا معنى الصدق والأمانة والإخلاص وغيرها من الأخلاق بمعانيها المجردة. من المهم تعليمهم هذه المعاني متصلة بشكل مباشر بالحياة العملية، هنا يدركها الطفل ويتعلم كيفية تطبيقها في الحياة، يدرك أن التعاون هو التعاون مع كل من يشاركه بيئته، وليس التعاون رهناً بأسرة فلان أو عرقه أو جنسه أو دينه أو لونه.
إن التقصير في تربية أبنائنا سيولد لديهم تعصباً لا معنى له، نابع من جهلهم بسمو الرتبة التي خلق بها الإنسان، وكيف اصطفاه الله على جميع مخلوقاته بتلك الروح التي لا تفنى وتبقى إلى الأبد حتى وإن فني الجسد، ويمكن القول: إن المناهج الدراسية التربوية المتطورة لها دور حقيقي في تخريج أجيال متسلحة بسلاح العلم وتتخذ قرارات هادفة تعكس قيمهم ومعتقداتهم وتساعدهم على التطور والنمو، وقادرة على الترابط مع مجتمعات أخرى والعيش في مجتمع عالمي، كذلك لا بد من إعداد المعلمين لهذه الأدوار الجديدة وكيفية القيام بها، وتضمين معايير المواطنة العالمية في المساقات الدراسية التي يدرسها الطلبة المعلمون حتى تنتج معلماً لديه الوعي بهذه المفاهيم، ويكون باستطاعته إعداد متعلم عالمي قادر على مواجهة المشكلات والتحديات، محب للسلام، ويحترم ثقافة الاختلاف.




http://www.alriyadh.com/1956934]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]