سوف يختلف معي كثير من المهتمين حول ما سوف أطرح، وبالذات أبناء جيلنا ومن قبله المحبون لرائحة الورق المصبوغ بأحبار المطبعة، ونبدأ القصة من البداية: فقبل حوالي خمسة قرون عندما اخترع جوهان جوتنبرغ الطباعة، كانت الكتابة حكراً على نخبة محظوظة في سائر المجتمعات ممن توفرت لهم ظروف النشر، والتي لم تتوفر لغيرهم فحظوا بالنشر والشهرة، واليوم بعد أن أصبحت الطباعة أمراً غاية في السهولة والنشر، وأمراً مشاعاً بفضل الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي الذي دخل على كل المفاهيم وساق إليها تغيرات جمة بدلت حتى في نظرتنا ومواقفنا صار لبعض الكتاب توجهاً نحو النشر الإلكتروني لمجلات وصحف ومؤلفات وغيرها، طبعاً ليس رغبة منهم، وإنما اضطراراً بحكم التغيرات الحاصلة في الواقع الجديد الذي فرض دخول التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة على حياتنا، والتي باتت جزءاً من تكويننا، لا يمكننا الفكاك عنه، في زمن بات الرقمي والأونلاين مصيراً إنسانياً جديداً، مما خلق حالة جدلية جديدة بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي.
صحيح أن الكتاب الورقي يعطي عمق المعرفة والتأمل، ويسمح للقارئ بالتواصل المادي والحسي أكثر من القراءة الإلكترونية، لدى الكثيرين من عشاقه، حيث إن التعامل مع الورق له خاصية لا يدركها إلا عشاق القراءة والمطالعة ممن ألفوا رائحته ولونه وملمسه، إضافة لكونه محصناً أكثر لجهة حماية الملكية وحقوق النشر، لكنه يفتقد ميزة السرعة في الوصول إلى المعلومة التي يمتلكها الكتاب الرقمي، حيث يستطيع القارئ أو الباحث الحصول على المعلومات في دقائق معدودات. كما يقدم الكتاب الإلكتروني للقراء والباحثين خدمات أكثر من حيث إمكانية البحث والفهارس الإلكترونية لا تتوفر مطلقاً في حالة الكتاب الورقي.
هذه المفارقة جعلت البعض يعتبر أن انتشار النشر الإلكتروني يشكل تهديداً للنشر الورقي، حتى صار الجدل صراع أجيال، فغالباً ما يكون الكتّاب الورقيون، لا سيما من الجيل القديم من الكتّاب وأصحاب دور النشر، من أشد المعارضين للنشر الرقمي، فيما أن الكتّاب الرقميين، خصوصاً الجيل الجديد الصاعد الذين يجدون سهولة في التعامل مع التقنيات الحديثة، من أشد المدافعين عن الكتاب الإلكتروني أو الرقمي.
لعل فوائد التكنولوجيا وميزاتها باتتا تطغيان على ما نسميه آثارهما السلبية، لكن لابد أن نوفق بين العصرين ولا نضيع القيمة لمجرد أن نقول إن عصر العولمة والتكنولوجيا ساد وماد، هذا يعني فيما يخص مسار الكتابة والنشر أننا يجب ألا نفرط في قيم النهج الذي نشأنا عليه من حقوق وواجبات وبنفس الوقت نستفيد مما تقدمه التكنولوجيا في مجال النشر الإلكتروني من ميزات وخصائص، بذلك نكون جمعنا ميزات العصرين ولم نخسر فنحن اليوم نعيش في عصر الرقمية شئنا أم أبينا وعجلة التقدم لن تنتظر هذا الجدل.
وشخصياً أجد نفسي أميل كثيراً للنشر الرقمي، ولا أنوي إصدار أي كتاب جديد لي ورقياً، ولدي خطة ربما لنشر حتى إصداراتي القديمة رقمياً، حيث إنني أتعاطى من التقنية، وأتعامل مع الكتابة بالكيبورد منذ عام 1995م حيث توقفت تماماً عن الكتابة على الورق، وكذلك الحال بالنسبة للرسائل التي بدأتها من ذلك التاريخ معتمداً على الإيميل إلى وقت كتابة هذا المقال، وربما يجيء يوم وتتفاجأ أجيال قادمة بأن هناك زمناً كان يتعامل بالورق، كل شيء وارد.
http://www.alriyadh.com/1958839]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]