قبل عدة أيام، كتب الروائي إبراهيم الكوني مقالاً في ذكرى ميلاده بعنوان "امتناني، أصدقائي، بتهنئتكم بآلامي"؛ تحدث خلاله عن ورطة الحياة متسائلاً، لماذا يهنئ الناس بعضهم بذكرى الميلاد، في حين أن الموت، الانعتاق من قيود الحياة، الاختفاء من خشبة المسرح هي ما يستحق الاحتفاء، وينقل بيتاً من مسرحية لـ"إيريبيدس" يقول: "ما أدرانا أن حياتنا هذه هي الموت، أما ما ندعوه موتاً فهو الحياة؟".
مقال الكوني استدعى لذاكرتي عبارة كان جورج طرابيشي يرددها، يقول: "كان الباهي محمد يجيبني مداعباً كلما سألته بالهاتف عن أحواله: ما زلت أمارس فضيحة الحياة"، هذه العدمية والنظرة السوداوية هي متلازمة يعاني منها الكثير من المفكرين والمبدعين؛ ذلك لأن تعاملهم مع الوجود والوعي والتفاصيل التي تحيط بهم ينطلق من منظور مختلف. فالإبداع في العادة يأتي من الخروج عن المألوف والتمرد على السائد وهذا يتطلب نظرة مختلفة لكل شيء وحساسية مرهفة قد تشكل عبئاً على صاحبها لكنها تمنحه بعداً مختلفاً وينبوعاً يغذي هويته المبدعة.
لكن بعيداً عن تلك المتلازمة، هل الحياة بالنسبة لعامة الناس هي تجربة ممتعة أم هي عبء ننتظر التخفف منه؟ وهل لو أتيحت الفرصة لنا أن نعود ونختار المجيء لهذه الدنيا هل كنا سنعود لها، أم سنختار البقاء في السديم العدمي الهادئ الذي يسبق مولدنا؟
الإجابات تعتمد على ظروف كل فرد ومستوى مرونته في مجابهة تحديات الحياة، لكنها بلا شك تجربة مخيفة، أن تعيش عقوداً طويلة من عدم اليقين، ترقب المجهول، المكابدة من أجل البقاء، الخوف من أن يخذلك جسدك، أو أن تفجع بمن تحبهم، وقائمة طويلة من الاحتمالات السوداء.
يذكر جلال أمين في مذكراته أن "الخوف من الموت يتضاءل عند بلوغ سن الشيخوخة"، ربما لأن الإنسان لم يعد لديه الكثير ليخسره، لكن الشباب المقبلين على الحياة بحاجة لمعرفة كيفية مواجهة مفاجآتها، خصوصاً وأن العالم مقبل على الكثير من العزلة والوحشة النفسية بسبب الثورة الاتصالية التي أمتعتنا قليلاً، وشوهت أرواحنا كثيراً.
لا يمكنك خوض تجربة الحياة وأنت تجرجر خلفك روحاً منهزمة. لا بد أن يتعلم الإنسان النهوض مجدداً مع كل سقطة، والأهم ألا يأخذ الحياة على محمل الجد، كما أن تدريب النفس على اللامبالاة إلى أقصى حد ممكن هو سر المرونة النفسية، تأمل أكثر الأشخاص اتزاناً نفسياً حولك، ستجدهم في الغالب لا يبالون كثيراً بالتفاصيل.




http://www.alriyadh.com/1967912]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]