هذا المصطلح الشائع اليوم والمتداول في أحاديثنا على نطاق واسع ليس إلا مفهوماً صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والإقناع دون الإكراه أو استخدام القوة، وعبر عدة كتب متلاحقة بدأت منذ عام 1990، حيث تناول جوزيف هذا المفهوم بكونه مصطلحًا يستخدم للتأثير على الرأي الاجتماعي وتغييره من خلال قنوات غير تقليدية يمكن تمثّلها اليوم بمنصات التواصل الاجتماعي المتعددة، ثم يطلق مقولته الشهيرة: «مع القوة الناعمة أفضل الدعايات ليست دعاية»، ومنذ أن قام ناي بتطوير هذا المفهوم في كتابه الثاني حوله المعنون بـ»القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية» الصادر في عام 2004 تلقّفه الزعماء وأخذوا يتداولونه في رؤاهم وخططهم، فهذا الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في عام 2007 يقول: إن الصين بحاجة لزيادة قوتها الناعمة! ثم يأتي وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ويؤكد على حاجة أميركا دائماً للقوة الناعمة!
ولكن ما الذي نعنيه بالقوة الناعمة كمصطلح شعبي رائج اليوم؟ إن المفهوم المبسّط لها يتمثل في أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من مبادئ وقيم وأخلاق وأفكار، ومن خلال الدعم في مجالات كالثقافة والفن مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره.
ولعلّ هذا المفهوم الرائج اليوم هو ما جعلني أحاول تتبع المصطلح على أرض الواقع لا سيما في ظل هذه الرؤية التنموية والحضارية «رؤية 2030» التي انتقل معها المجتمع من انكسارات لأحلامه ومن جلده لذاته إلى حضور عزّة وفخر، ولا أبالغ حقيقة حينما أقول بثقة إن هذا العصر تحديدًا شهد تغيّرًا جوهريًّا في مفهوم الوطنية وتعاطينا معها كقيمة وجودية، ولا يعني هذا غياب الوطنية عن ماضينا القريب لكن حياتنا اليوم ومنجزاتنا وخطواتنا الإصلاحية التي تسابق الزمن، وتنفض الغبار عن معوّقات أمسنا -مع انتباهنا أخيرًا على المستوى الشعبي للمكائد والمؤامرات التي تحاك ضد بلادنا- بلا شك شكّلت موقفًا مغايرًا مما كنا عليه، فتحوّلت نغمة الاحتجاج الساخر على مواقع التواصل الاجتماعي إلى نغمة فخر واعتداد وثقة بهذا الوطن حتى لو بدا لنا تعثر هنا أو هناك على مستوى الخدمات، فالملاحظ أن تلك الحالات الاحتجاجية الساخرة في أمسنا القريب تحوّلت ثقة مطلقة بقيادتنا لاستدراك هذه العثرة أو تلك، والأجمل من كل هذا الاستجابة السريعة، والتفاعل الكبير بين الجمهور التويتري «القوة الناعمة» والجهات ذات العلاقة لأي عارض هنا أو هناك، نعم انتهت مرحلة السخرية من مصائبنا وجلد ذاتنا وبدأنا مرحلة الاعتداد بحاضرنا وانتظار غدنا بعزة وفخر لم يسبق له مثيل، فبتنا نحمل بلادنا صورة في قلوبنا لا عيوننا، ونرسم غدنا على مرايا الشمس، ونتناقل قيمنا ومبادئنا وانحيازنا لأصالتنا على مستوى الكرم ومساعدة الآخرين والأخذ بأيدي الضعفاء والمساكين كما هو شأن الصورة المتداولة والمشرفة لأبنائنا في الحج، ولعمري هذه هي القوة الناعمة التي صاغها جوزيف رؤيةً في كتاب، وصرنا لها واقعاً..




http://www.alriyadh.com/1969787]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]