قام رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل في 13 سبتمبر، بأول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية. في اجتماع مثمر للغاية في جدة، ناقش صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية وشارل ميشيل، الفرص والتحديات التي تنشأ من التطورات العالمية والإقليمية الحالية. هذه الزيارة المهمة للغاية هي رمز لاهتمام الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على شراكة قوية مع المملكة العربية السعودية لتعميق تعاوننا في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.
تمثل الزيارة مرحلة جديدة في علاقات الشراكة بيننا، وتأتي بعد ثلاثة أشهر من موافقة الاتحاد الأوروبي على الشراكة الاستراتيجية الجديدة مع الخليج، والتي تهدف إلى توسيع علاقاتنا وتعميقها والوصول بها إلى مستويات أعلى.
يحظى الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية بالعديد من الاهتمامات المشتركة، فكلانا يرغب في رؤية منطقة الخليج مستقرة وآمنة ومزدهرة. كما نلتزم بالمحافظة على النظام العالمي القائم على القواعد، ونواجه تحديات مشتركة تزيد من الترابط فيما بيننا في مجالات عديدة بدءاً من التعافي الاقتصادي والتحول الأخضر والرقمي ومواجهة أزمة المناخ، وانتهاءً بالحاجة للتوصل إلى حلول مستدامة للصراعات في المنطقة ككل، على سبيل المثال.
تهدف الشراكة الاستراتيجية الجديدة هذه إلى إقامة تنسيق سياسي أقوى وتعزيز التعاون في استراتيجياتنا التنموية، ألا وهي الاتفاق الأخضر الأوروبي ورؤية السعودية 2030، فضلاً عن زيادة التواصل الثنائي بشأن مسائل الأمن الإقليمي وإيجاد طرق أفضل لدفع عجلة علاقاتنا الاقتصادية والتجارية المزدهرة، والأهم من ذلك رؤية جديدة للطاقة المتجددة المشتركة بين الاتحاد والخليج. ولكن تتمحور الأولوية المطلقة التي تستند إليها جميع الجهود السابقة حول تعزيز التواصل بين الشعوب، لا سيّما الشباب في مجتمعاتنا.
يبرهن الوضع السياسي والأمني العام على أننا جميعاً مرتبطين ببعضنا البعض، بحيث تؤثر أية تهديدات أو حالات لانعدام الأمن علينا جميعاً. عزز الهجوم الروسي غير المُبرر وغير المُستَفز على أوكرانيا الحاجة إلى إقامة علاقات وحوار أقوى بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية. يحظى النظام العالمي السلمي والاحترام الكامل لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي باهتمام حيوي مشترك بين الجانبين، لذا فنحن نبذل قصارى جهدنا للتخفيف من الآثار السلبية التي سببها العدوان الروسي على الأمن الغذائي. في الوقت الذي تنوع فيه أوروبا من مصادر الطاقة الخاصة بها، تبرز أهمية المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كمزودين موثوقين للطاقة إلى أوروبا.
يُعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، بنسبة 14.8 % من إجمالي حجم التجارة بالمملكة، وتحتل الآلات والمعدات والبترول والبتروكيماويات النصيب الأكبر من التجارة. كما يُعتبر الاتحاد الأوروبي مساهماً رئيساً في تنوع المنتجات الغذائية بالمملكة من خلال الصادرات الضخمة لمجموعة متنوعة من المنتجات الواردة من الدول الأعضاء بالاتحاد إلى المملكة. فضلاً عن ذلك، تعمل الشركات من الدول الأعضاء بالاتحاد داخل المملكة في العديد من القطاعات الاستراتيجية التي تنص عليها رؤية 2030 مثل تطوير خطوط مترو الرياض ومشروعات الطاقة والبيئة والسياحة والثقافة والتشييد والآلات الصناعية والبتروكيماويات والمواد الدوائية. ومع ذلك، من مصلحة كلا الطرفين رفع مستوى العلاقات الاقتصادية من خلال تعزيز سُبل التعاون في مجالات التجارة والاستثمار.
يواجه الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية تحديات تاريخية لكبح جماح آثار التغير المناخي على مواردنا الطبيعية واقتصاداتنا وجودة حياة مواطنينا. ومن ثم، تتزايد أهمية توحيد الجهود لمواجهة التغير المناخي وتسريع التحول العادل نحو حيادية الطاقة من أجل الفائدة المشتركة. كما تتشارك رؤيتانا - الاتفاق الأخضر الأوروبي ورؤية المملكة 2030 - في العديد من الأوجه وتُعدان قاعدة جيدة للتعاون على المستويين الثنائي وفي إطار الأمم المتحدة.
كما تتطلب حالات النزاعات طويلة الأمد المزيد من التواصل الاستراتيجي المُعزز لمواجهة الحاجات الإنسانية والتنموية غير المسبوقة في منطقتي الشرق الأوسط والقرن الإفريقي الأوسع. فالمملكة العربية السعودية من المانحين الكبار للمساعدات المالية الثنائية وبإمكانها أن تؤدي دوراً مهماً في تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية. يتيح الحوار حول السياسات وتنسيق المنح بين الاتحاد والمملكة تنفيذ أهدافنا في هذا المجال.
يمكن فقط للشراكة الحقيقية أن تزدهر بفضل التواصل القوي بين الشعوب في كلا الجانبين، بما في ذلك السائحين ورجال الأعمال والأكاديميين والطلاب. فهناك عدد متزايد من الأوروبيين الذين يزورون المملكة للتعرف على التحولات الهائلة وتجربة حُسن الضيافة، فضلاً عن استكشاف الثراء الثقافي والطبيعي للمملكة. وبدوره، يقدم الاتحاد الأوروبي تنوعاً كبيراً يُمكن السائحين والطلاب وكافة الزائرين من معايشة تجربة متعددة الجوانب في أي من الدول الأعضاء بالاتحاد. وفي الواقع، تُعد الدراسة في أوروبا إحدى أفضل الطرق لاستكشاف قارتنا، سواء من الناحية الثقافية أو التنوع اللغوي أو تقاليد الطهي. أوروبا هي أشهر الوجهات الدراسية في العالم، حيث يدرس بها حالياً ما يقرب من 2.4 مليون طالب دولي، فضلاً عن العدد المتزايد من المناهج التي تُدرس بالإنجليزية والتي تُقدم فرصاً هائلة للطلاب السعوديين والخليجيين. يبقى تعزيز التواصل بين الشعوب أولوية بالنسبة لنا.
*سفير الاتحاد الاوروبي
http://www.alriyadh.com/1972113]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]