جرت العادة عند مشاركتي في أي ملتقى أدبي، أو ثقافي، أو علمي، أن أكتب عنه وذلك تعريفاً به، وعرفاناً له، وامتناناً للقائمين عليه؛ لهذا أقدّم شكري وإعجابي بما قدّمه نادي مكة الثقافي الأدبي قبل أيام بعقده ملتقى مهم في عنوانه، وزمانه، وهو (ملتقى الشعرية الرقمية)، هذا الملتقى الذي يصح أن يكون نقطة تحول ثقافي، ووجهة أدبية ذات طراز جديد ومواكب، وأحسب أن هذا الملتقى الذي يستطلع مستجدات الأدب الرقمي وتحدياته، وينشد التأسيس له، سيكون واجهة كبيرة، وعلامة فارقة، ومنارة مضيئة، وأعتقد أن الأدب سوف يظهر من خلاله بلون جديد، وثوب فريد.
والحق يقال: إن رئيس النادي د. حامد الربيعي، ورئيس اللجنة العلمية د. عبدالرحمن المحسني، وأمين اللجنة العلمية د. مستورة العرابي، وكل من عمل معهم - فرداً فرداً - في إخراج هذا الملتقى الباهر بحلّة جديدة، وطلة فريدة يستحقون عبارات الثناء والتقدير؛ إذ يُحسب لهؤلاء الكرام تجديدهم من خلال الارتقاء بالأدب ودراساته النقدية، والانتقال به من الطابع الورقي إلى الطابع الرقمي، ومحاولة جعل الأدب أكثر تحولاً، وتطوراً، وتدفقاً، وأعتقد أن العنوانات التي قدمها هذا الملتقى الرائع كفيلة بالتأسيس لشعرية رقمية يرنو لها الأدب، وتصبو إليها الثقافة بشكل عام.
ويأتي انعقاد هذا الملتقى المتميز، في هذا الوقت المهم، تتويجاً لما تقدمه الثقافة السعودية ممثلة بنادي مكة الثقافي الأدبي من مواكبة الهم الثقافي الراهن، ومسايرة تحديات العلم والمعرفة المتجددة، وقد كان لي شرف المشاركة في هذا الملتقى، فحظيتُ فيه - مع نخبة من الباحثين المتميزين - بتقديم ورقة علمية بعنوان (الرواية الرسائلية الرقمية: من الآلة إلى الأيقونة، مشروع قراءة حوارية تأسيسية لتجليات النوع الأدبي المعاصر)؛ وقد حاولت في هذه الورقة الكشف عن حدود التحول الذي مرّ به النوع الأدبي في تعامُله مع التقاناتِ الحديثة، إذ انتقل من طور الآلة إلى عصر الأيقونة، ومن الكتابية إلى الرقمية، وهو تحول ملحوظ وصل اليومَ ذروته مع ما يعرفُ الآن بــ (الأدب الرقمي) الذي يسعى هذا الملتقى الفاخر لترسية مفهومه، وترسيخ قواعده، ورسم مصطلحاته، وتحديد أطره.
وأعتقد أن نادي مكة الثقافي الأدبي استشعر أهمية الموضوع وقيمته، فما بين الضربِ على الآلة الكاتبة، والنصِّ التفاعلي، سارَ الأدبُ على مراحلَ متنوعةٍ في تعامُله مع التقاناتِ الحديثة، إذ انتقل انتقالات ملحوظة، وتحول تحولاً مشاهداً، وهذا التحول ملموس منذ أن بدأت الكتابةُ الإبداعيةُ متواضعةً مع نشوءِ الآلاتِ البدائية، ثم ظهر عصرُ الطباعةِ، فعصرُ الثورةِ المعلوماتية، فجيلُ الأجهزة الذكية، فلم يعد النص متلوِّنًا بين الشفاهيةِ والكتابية، بل صارَ ينحو إلى ما وراء ذلك، إلى الكتابية، وما بعد الكتابية، وهي الحاسوبية، أو الرقمية، أو الإلكترونية، أو التفاعلية، أو نحوها من الأوصاف.
ومن هنا فإن تخصيص ملتقى علمي ثقافي بهذا الشكل (الكرنفالي) يحسب للأخوة الأعزاء في نادي مكة الثقافي الأدبي، الذي أدرك أنه لا بد من رقمنةَ الأدبِ في زمننا هذا، وبخاصة إذا علمنا أنها هذه الرقمنة مرت بطورين مهمين، هما: الطور الآلي، والطور الإلكتروني، لهذا يكفي الملتقى فخراً التأسيس لهذا التطور الأدبي المعاصر الذي سيصبح في مقبل الأيام إن شاء الله نقطة بداية لطريق جديد.
http://www.alriyadh.com/1979806]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]