لم يكن التأليف عبر العصور إلا حالة إبداعية حقيقية، وليدة للتجربة التراكمية وناقلة للمعارف والمواقف والاستنتاجات والمفاهيم، فهو من موارد ثقافات الشعوب، وينابيع معارفها في بناء الحضارات.
ويدخل التأليف في صناعة الثقافة، وتحقيق الذات باعتبارها إنجازاً فردياً ومجتمعياً ووطنياً وأحياناً يتخطاها إلى العالمية، فالتأليف شيء غير مسبوق يحتاج الاستنباط والشرح، وكلما كانت الخواطرُ ثاقبة والفهم واضح وأخذ الاختصار مقامَ الإكثار، مع ترتيب الأفكار ووجازة اللغة، استطاعت المادة أن تستحوذ الأدمغة وتحصد الدهشة وتصنع الصحوة الفكرية وهو ما يمكن أن نسميه مؤلفاً حقيقياً.
وبالنظر إلى مسار التأليف نراه يذهب في اتجاهين الأول: يغذي العواطف وينتج ثقافة أفقية، تؤدي إلى ثقافة مجتمعية متولدة من حركة الشعوب، والمؤلف جزء في مساراتها، وفيه: القيم، والتأليف، لتقديم هذه الثقافة، مصدرة الملاحظة والتجربة والتخيل، وتتجلى في الكتابات الأدبية والإبداعية.
والمسار الثاني تأليف يغذي المواقف وينتج ثقافة عمودية، تمثل سلم المبدعين للارتقاء بالمجتمع في البناء الحضاري، ويغلب على الكتابة فيها التحليل والتفسير، والتفكيك والتركيب، وثمرته عمل إبداعي مبتكر، له ثمرة عملية في الحياة، وفيه: المواقف والأفكار والمفاهيم - التحليل والتفسير - السنن الكونية، والقوانين الضابطة - العلاقات المنطقية.
إذاً: كل ما سبق يجعلنا ندرك أن التأليف حالة إبداعية معقدة، لا تقبل الاستسهال، أنتجت عبره البشرية الكثير وتركت مخزوناً ساهم في تشكيل تاريخ وحضارة الشعوب، لكن يرى البعض: "أن التأليف بمفهومه هذا، قد مسه الضرر من الدخلاء الذين حاولوا امتطاء صهوته، وهم ليسوا من فرسانه، فمنهم سرعان ما هوى ومنهم كما طار وقع" لكن مع ذلك كله يبدو في الأفق أن هناك تشكلاً جديداً يظهر في السطح، سوف يغير خارطة كل هذه المفاهيم، وسوف ينظر لها باعتبارها أفكاراً تقليدية مرتبة بزمن مضى، وسوف أحاول مناقشتها في مقالات مقبلة إن شاء الله.




http://www.alriyadh.com/1980293]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]