حين يأتي المطر..
وندرك أن افترقنا كحبّاته فوق هذا الممر
سنفزع من جريان المرايا
ونركض عن فيضان الصور..!

بكل الشجن.. بحشرجة التذكّر.. بفرح يغتسل بالدموع المحايدة يقبل شتاء هذا العام ملتحفاً الغيم، يؤمّل بالربيع حيث تعشب الصحراء حياةً والرمل خزامى.. ولأن الرياض مدينة الصحراء، ومعجزة الرمل، وهي تلك المدينة التي لا يأتيها المطر كثيراً، وإلا فإنها ستعد حينها واحدة من أجمل مدن العالم طقساً.. حيث تتحول مع الغيم إلى تلّة من سماء، وتتشكل بيوتها المرصوفة بحجرها إلى أكواخٍ في قوس قزح، ويتبدّل شجرها الشاحب الذي يغتصب النمو طوال العام إلى أغصان خضراء مغسولةً بالربيع.. ويفرّ الزحام العابس من شوارعها حتى وهي تغرق أحياناً بشبر غيم..!
أقول لأن المطر يتردّد فيها بين عام وآخر، تبقى الرياض صورة للمدينة الفطرية فينا، وهي أكثر ما نقف عنده كلما جاءنا المطر ندّعيها أو نفترضها أو حتى نتعشّمها، لكنّ أكثر الفرحين بالمطر ليسوا إلا المتظلّلين بالغيم من نوافذهم أو الخارجين إلى البرّ يسألون الرمل عن سرّ تعلّق أبصارهم بالسماء، ثم يهنئون الشجر المتصحّر والمتشبث بالحياة فيه بعام آخر للبقاء...
ولكن ماذا عن الذاهبين إلى أعمالهم في الصباحات الممطرة، أرواحهم البدوية معلّقة بالغيم شجنًا أو ذاكرة، لكن خطواتهم في الشوارع عناءٌ لا ينتهي...
لا أعرف حقيقة سر غرق مدننا بالمطر على الرغم مما أنفقته الدولة وتنفقه في هذه المشروعات، ويبدو أن الاختبارات الموسمية أو المؤجّلة لجودة هذه المشروعات ومدى تنفيذها بالصورة الأكمل تسبّبت دائماً في هذه الصدمة التي يواجهها المجتمع كلما تفاعلت روحه مع المطر، ولا سيما في الأحياء الحديثة وشوارعها، فلا يمكن لأحد منا أن يتقبّل هذه البحيرات التي باتت فخًا للسيارات، أو حتى الشوارع التي تقتحم عبرها السيول البيوت...
وبعيدًا عن النقد.. قريبًا من الروح أقول إننا نقيم في مدن خرسانية، لكن أبصارنا معلّقة في السماء شجناً وذاكرة، نعم سنحب المطر دائماً ونفرح به، وعلى المدن التي نقيم فيها مراعاة هذا الحب، والعمل على أن يكون مطر المدينة هديّة الغيم لا انكشافها به.
فاصلة:
أحبكِ أنتِ.. وهل أنتِ غير المطر
وهل أنتِ إلا دعاء اليتيم وحلوى القدر
أعدّي لنا قهوةً غير هذي..
فما زال للشوق متسع واللقاء ضمير السهر!




http://www.alriyadh.com/1992455]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]