شاهدت حواراً جميلاً مع الفيلسوف البريطاني آلان دون بوتون، تحدث فيه عن الهوس بالماديات الذي تعاني منه معظم المجتمعات الحديثة، والذي بدوره انعكس على تعاسة البشر وتدني مستوى رضاهم عن حياتهم. يقول بوتون إن المكتبات تكتظ بكتب تطوير الذات بعضها يعدك بتحقيق ملايين الدولارات في وقت قصير والبعض الآخر يعلمك كيف تتغلب على نظرتك الدونية لذاتك low self esteem ويرى بوتون أن الأمرين مترابطان؛ فإذا كنت تعيش في ثقافة تعلمك كيف تصنع ثروة خلال يوم واحد فستعاني بالتأكيد من نظرة دونية لذاتك، إذ ستظل تطارد حلماً أن تكون ضمن 1 % من البشر الأثرياء، وترفض أن تكون ضمن الأغلبية التي تعيش حياة عادية.
ويضيف بوتون، بأن ما ننعم به الآن من تفاصيل عادية، كأن يتوفر لديك سيارة جيدة وبيت مناسب ومأكل طيب، هي أفضل بكثير مما حصل عليه الإنسان خلال تاريخه، وبالتالي فما نسميه الحياة العادية هي في الواقع حياة رائعة، لكننا أشبه ما نكون بمن جلب أفعى إلى حديقته وأفسد هذا النعيم الذي يعيش فيه عبر ترديد أن الحياة العادية ليس حياة جيدة بما فيه الكفاية، إذ يجب أن يكون مثلك الأعلى الذي تطمح للوصول إلى مستواه هو حياة المليارديرات مثل زوكربرغ أو إيلون ماسك وغيرهم، وإلا ستشعر بأنك تعيش حياة مذلة.
لطالما كانت روح التنافس، والرغبة بالحصول على الأفضل نزعة بشرية متأصلة، وبفضلها قامت الحضارات وكانت الوقود المحرك للإنتاجية، لكن في هذه الحقبة التي شهدت ثورة تواصلية فوضوية بين البشر، زادت حدة هذا التنافس وأخذت بالأخلاق البشرية إلى حافة الهاوية في سبيل حصد المزيد من الأموال، وبالتالي الإغراق في السعار المادي لكي ننافس أقراننا.
المشكلة في هذا الركض المتواصل نحو الماديات هي أن أجزاءً عزيزة من إنسانيتنا تتساقط خلاله، حيث يرتفع مستوى الأنانية ويقل الإحساس بالآخر، ونقدم التنازلات الأخلاقية بشكل متتابع لكي نستمر في جذب الجمهور وبالتالي حصد المزيد من الأموال وصرفها على المقتنيات الفاخرة وحياة الرغد والترف، وننسى أن الحياة مشاركة ومكاتفة وليست مجرد انتهاز للفرص على حساب الآخرين.
علينا أن نتوقف قليلاً ونلتقط أنفاسنا وننظر للوراء إلى تلك الأجزاء الغالية من أرواحنا التي فقدناها خلال هذا السعي المحموم نحو أشياء مادية لا تمنحنا أكثر من متعة التفوق المؤقت، من المهم ألا ننسى أهمية الطموح والتسامي نحو الأفضل، لكن يجب أن يكون ذلك في قالب متوازن نعرف من خلاله تقدير العاديات الثمينة التي نملكها وألا نعيش دور الضحية ونشعر بأننا فاشلون لمجرد أننا نعيش حياة عادية.
http://www.alriyadh.com/1995159]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]