تمسك بهاتفك.. تحملق قليلاً.. تقرأ ثم تترك وجهًا باسمًا، أو وردة تفتّق أكمامها للصباح.. أو حتى أخرى لاتزال ناعسة، ثم تترقب حروفًا وكلمات، أو ربما امتدادًا للغة الصورة بينك وبين المرسل، هي تلقائية عصرية ولغة أخرى تتخلق مع تطور تقنيات الصورة في العصر الحديث، بلغت بالبعض إلى تطوير دلالاتها بل وخصوصيتها أحيانا من مستخدم لآخر!
لكنّ هذه اللغة التصويرية التي تصدّرت الواجهة اليوم، مع التطور الرهيب للغة الصورة في عصرنا.. ربما تشكل في ملامحها العامة عودةً للبدايات التعبيرية للإنسان على الأرض.. على اعتبار أن أول ملامح الكتابة البشرية صور ونقوش معبرة، وقد حملت كل صورة منها تاريخاً كاملاً يتكشّف لعلماء الآثار والنقوش بين عصرٍ وآخر، والسؤال الأكثر جدلاً ربما في هذا السياق هل ما نراه تطورا فنيّا في اللغة الحوارية، أم كسلا اجتماعيا شكَّل حالة نكوص تعبيرية مالت إلى البدائية في الكتابة...!؟
الواقع أنّ كلا الوجهين ممكنان.. فعلى مستوى الكتابة بشكل عام تعج المراسلات دائماً بالأخطاء الإملائية وكتابة (الحكي)، وتوسيط الصورة حد الاكتفاء بها.. وهذا الوجه المباشر للظاهرة، يحتمل الوعي بها وتوظيفها، كما يحتمل الاستسهال فيها تمامًا، لكن الوجه الأعمق لها كما يبدو لي هو طغيان ثقافة الصورة في هذا العصر بحيث قفزت من دور الوسيط الذي قُدِّر لها إلى الدور الكامل في التعبير حتى بدت بدائية مقلوبة، أو حتى تطورا رجعيّا للغة تعبيرية لاتزال كثير من المجتمعات تتكئ عليها كاللغة الصينية على سبيل المثال، حتى وإن عُدّ هذا التكوّن التعبيري بدائياً عند بعض علماء اللغة، لكن الحديث في هذا الجانب يحيلنا إلى زاوية أخرى من الرؤية، وهو إمكانية الصورة كلغة أن توحّد البشر جميعهم على لغة واحدة، أي أن لأحدنا أن يتصور الحياة بعد قرن من الزمان مثلاً وقد طغت الصورة فيها على الكلام واخترع البشر مكاناً آخر للصوت لا يختص بالكتابة، وهذا أيضاً يحيلنا إلى جهة أخرى أقرب أو حتى أبعد تتعلّق بالحرف كصوت يتصل بحاسة السمع، والصورة كمساحة بصرية تتعلق بحاسة البصر أي أن هناك مشروع تحول جوهري في عملية التلقّي، وهنا يبرز سؤال أكثر جدلاً وربما غرابة هل ستستمر اللغة صوتًا في ظل هذه القفزات التقنية التي تناضل من أجل تحوّل جذري لدورها الوجودي فينا؟
في لغة «الأرابيش» مثلاً تحوّل الصوت إلى صورة.. وتبدّلت دلالات المرسوم بين الأرقام والحروف، هكذا قفزت اللغة بمفهومها البديهي من حاسة السمع لحاسة البصر، لاسيما على مستوى ردّات الفعل الكتابية.. فالصور التعبيرية المتراصة في شاشات أجهزتنا الذكية لغة متحفّزة وجاهزة للتعبير لاسيما كردّات فعل طمعت بالصورة المتنقلة فاجتهدت لتجمع الزمان بالمكان والمكان بالزمان..
ثم ماذا بعد؟
هل سننفتح يوماً على رواية من صور أو قصيدة من وجوه.. ربما ربما
فالإنسان لا يغادر بداياته، إلا ليعود إليها حينما يحتاجها...
http://www.alriyadh.com/1997015]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]