المتابع للأعمال الدرامية العربية في رمضان -وهو موسمها الأكبر في كل عام- يلحظ ارتفاع منسوب العنف فيها هذا الموسم، إذ شهدت جل أحداث مسلسلات هذا العام لقطات عنف عالية ومتطورة على مستوى الفكرة والإنتاج والإخراج، ولعلها انعكاس لحالة العنف المسعورة التي تجتاح خريطة الكون هذه السنوات، والسنوات القليلة الماضية، فضلا عن كون العنف مادة تشويقية لأجيال اليوم للأسف الشديد حين تربّوا على ألعاب الفيديو التي تتشهّى القتل، وتتبارى فيه لكن أكثر ما يلفت الانتباه حقيقة في رمضان هذا العام وجود مسلسلات تنبش التاريخ القريب نسبياً قبل حوالي مئة وخمسين عاماً كما هو شأن مسلسل سفر بيرلك أو مسلسل الزند ذئب العاصي إذ يتناولان تلك الحقبة التاريخية المسكوت عنها «آخر سنوات الاستعمار العثماني» للبلدان العربية وقد نجح بظني كل منهما بطريقته في تقريب صورة ذلك الماضي المهمل في دراساتنا وأبحاثنا.
وبعيداً عن انطباعية التقييم لما تقدمه الدراما في موسمها هذا العام يبدو السؤال الدارج في مجالسنا وأحاديثنا دائمًا بين مستنكر ومؤيد، هو لماذا اختصت الدراما العربية رمضان تحديداً ليكون موسمها الأكبر والأعظم لدرجة أن كل الأعمال تحرص على أن يكون رمضان حضورها الأول بل إن أشهر الأعوام الأخرى تقتات على هذا الموسم إما بإعادتها أو تأجيلها، وأجزم أن كثيراً من بنود عقود الإنتاج لكل الأعمال الدرامية وأعني المسلسلات تستهدف هذا الشهر تحديداً سواء كان إنتاجاً خاصاً أو إنتاج مؤسسة إعلامية.
والحقيقة أنني لا أرى في ازدحام هذا الكم الهائل من الدراما التلفزيونية في رمضان إلا امتدادًا تاريخيّا لذلك الحكواتي الذي قدمه لنا التاريخ كأحد المظاهر الرمضانية في كثير من البلدان العربية المستوطنة قبل زمن المرئي، فالصورة التي يقدمها لنا التاريخ قبل ما يقارب مئة عام لذلك الحكواتي الذي يستعين به العامة على قضاء ليل رمضان المرتبط بالسهر كطقسٍ رمضاني في كل العصور والأزمنة، هي ذاتها التي يقدمها لنا الفضاء المرئي عبر قنواته التي تتنافس بشراسة على العرض الأول لأعمالها الدرامية في رمضان، جامعة فيها الحكاية بكل أطرافها التاريخية والواقعية والافتراضية، ومشكّلةً من رمضان موسمًا فنيّا يكاد في مجمله يستحوذ على بقية شهور العام، بل إن كل شهور السنة تنشغل بالعمل له.




http://www.alriyadh.com/2006476]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]