قراءة الكتب هي إحدى أمتع وأرقى الممارسات البشرية، وعندما تتأمل مكتبة رصت فيها الكتب بعناية تشعر وكأنها معمل يحتفظ بخلاصة العقل البشري في أبهى صوره، عندما تقرأ كتاباً جيداً فأنت تقريباً تجلس مع المؤلف وتستمع لأفكاره في أكثر لحظات صفائه وتركيزه، والرائع في الأمر هو أن لا حدود زمانية تفصل بينك وبينه، فقد يكون الكاتب توفي قبل مئات السنين لكن كتابه يمنحك فرصة استكشاف تلك الومضات المكثفة من فكره في أي لحظة تشاء.
ممارسة التدوين والكتابة قديمة بقدم البشرية، وحظيت الكتب باحترام بالغ في التاريخ الإنساني باستثناء بعض الحقب المظلمة التي تعرضت فيها للإتلاف والحرق، ومع تطور وسائل الإعلام وجد الكتاب بعض المنافسة خصوصا مع ظهور الصحافة والإذاعة وبعدها التلفزيون، لكنه ظل محافظا على رونقه وحضوره وسيطرته على المشهد كملاذ معرفي وترفيهي أيضاً.
إلا أن الثورة التقنية الهائلة التي أنتجت الهواتف الذكية ومنصات التواصل الحديثة شكلت ضربة قاصمة للكتب؛ حتى عند عشاقها، فالسحر البصري الذي يقدمه الهاتف الذكي والإدمان الملازم له، ترك الاهتمام بقراءة الكتب يتلاشى في خانة المنسيات تقريبا.
من واقع تجربتي الشخصية، أعتقد أن العودة لإقحام القراءة وسط جدولك المزدحم بهراء منصات التواصل لا يتطلب الكثير من الجهد، أنت تحتاج أن تختار كتاباً تحبه وتبدأ في تصفح أوراقه لتعيد تذكير ذائقتك بلذة القراءة، والاستمتاع بالمحتوى الأصيل؛ خصوصا وأنك تشعر الآن بالتشبع من التفاهات.
كذلك من المهم أن تخصص وقتا للقراءة في جدولك، وأعتقد أن أفضل وقت هو آخر ساعة من يومك قبل أن تخلد إلى النوم، حتى لو استطعت أن تسرق عشر دقائق قبل النوم فإنها تكفي للبدء في التعود على هذه العادة الرائعة، وبالمناسبة فإن القراءة قبل النوم تساعد على استرخاء الذهن وتعزز من صفائه وبالتالي تسهم في النوم بشكل أسرع وأعمق.
أما إذا كنت لا تستطيع التخلص من إدمان تصفح المنصات التي في هاتفك ولو لنصف ساعة تسرقها من أجل القراءة، فعليك إذن بالكتب المسموعة، إذ يقضي الكثير منا، خصوصا من يسكنون المدن الكبيرة، أوقاتا مهدورة في الاختناقات المرورية، وستدهشك كمية الكتب التي من الممكن أن تستمع إليها خلال رحلاتك اليومية إلى ومن مقر عملك، المهم هو ألا تقطع عادة القراءة عن روتين يومك، خصوصاً وأنها الممارسة الوحيدة التي نستطيع تكريسها في حياتنا لمواجهة المحتوى التافه الذي يهطل علينا كل لحظة.




http://www.alriyadh.com/2010204]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]