قبل يومين شهدت جنازة والد أحد الأصدقاء -رحمه الله-، وتجدّدت فكرة الحديث عن واقعنا في الجنائز والعزاء، وضرورة تحسين تعاملنا مع العزاء حتى نتجنب المشقّة ويتحقق المقصد الشرعي والاجتماعي.
حينما تعرف العائلة بوفاة فقيدها غالباً ما يُسقط في يديها، فلا يعرفون ما الخطوات الواجب اتباعها بالشكل الصحيح! فتتخبط الآراء وتتعدد القرارات، مما يسبب ربكة في انتشار الخبر ومعرفة الأقارب، بموعد ومكان صلاة الجنازة ومعلومات مجلس العزاء.
لم تتطور آلية تعاملنا مع الوفاة كثيراً خلال العقود الماضية، فلايزال التعامل فردياً واجتهادياً، فالعائلة هي من تقوم بكافة الإجراءات وبمجهود شخصي، وهي من تُرتب صلاة الجنازة، ثم الدفن، فمجلس العزاء، وبالتأكيد نلاحظ تفاوتاً بين عائلة وأخرى، مما يُسهل أو يصعّب على المعزين القيام بواجبهم.
نعم تحسّنت خدمات البلديات في المقابر خلال السنوات الماضية، ولكن لا يزال بعض القصور، ودور المشرفين والعمال دون المتوقع، إذ يفترض أن تكون هناك آلية واضحة لمراحل الدفن، ومن يشارك فيها ومن يقف داخل وحول القبر، حتى تضمن أولاً سلامة المشاركين، وثانياً الدفن بطريقة شرعية صحيحة، وكذلك إتاحة الفرصة لأقرب الأقارب والأصدقاء بدلاً من الازدحام الذي يحدث حالياً حول القبر، أيضاً لابد من الحرص على إيجاد موقع مغطى ليكون مجلس عزاء بعد الدفن -وهو ما حدث في بعض المقابر مؤخراً-، ويمكن التفكير بإيجاد منطقة مساندة تكون مجلس عزاء دائماً، يمنح لمن يحتاج ممن لا يتوفر لديه مكان مناسب لمجلس العزاء.
والحقيقة أتمنى أن ينشأ مسجد خارج المقبرة، لتقام فيه صلاة الجنازة بعد إحدى الصلوات المفروضة، ثم يُحمل الجثمان إلى القبر على أكتاف أهله ومحبيه، مثل المسجد المقابل لمقبرة النسيم بالرياض، مما يُجنب المعزين مشقة الصلاة في مسجد بعيد ثم الذهاب إلى المقبرة، والازدحام حين الدخول والخروج.
كذلك ما الذي يمنع من إفساح المجال لتأسيس مؤسسات متخصصة في خدمات الجنائز والعزاء! كما هو "الحانوتي" في بعض الدول العربية وكذلك الغرب، وهو متعهد تجهيز ودفن الموتى، والتي لم تظهر لدينا لأسباب اجتماعية ودينية، لكن تقدم مجتمعنا اليوم يفرض الحاجة لها.
إذ على مستوى وفيات المواطنين تتولى القيام بالإجراءات وإصدار التصاريح، وإبلاغ الأهل والأصدقاء، ونقل الجثمان إلى المقبرة، وإعداد وترتيب مجلس العزاء، من تجهيزات وضيافة ونحو ذلك، المساعدة في تقديم الدعم النفسي لذوي الفقيد، مما يخفف المُصاب ويضمن إتمام العزاء على أكمل وجه. والحاجة أمسّ حينما يكون المتوفى مقيماً، إذ إن هناك سلسلة طويلة من الإجراءات الرسمية، من إصدار شهادة الوفاة والتقرير الطبي وإسقاطه من الجوازات وغير ذلك، حتى دفن المسلم المقيم، أو ترحيل جثمان المقيم خارج المملكة عبر الشحن الجوي.
سنّة الحياة تفرض علينا التعامل مع فقد الأحباب، أفلا يكون بطريقة منظمة وسهلة؟ رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين.
http://www.alriyadh.com/2012144]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]