إنّ تعزيز المملكة لعلاقاتها ولشراكاتها مع دول جنوب وشرق ووسط آسيا يأتي متماشياً تماماً مع التقارب الثقافي والحضاري بين الشعوب والمجتمعات، ويعبر عن عمق الطموحات الاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية والتنموية والتطويرية بين الجانبين..
التفاعل الإيجابي والبناء والهادف مع أطراف المجتمع الدولي سِمة ميزت سياسة المملكة العربية السعودية مُنذُ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - طيب الله ثراه -، وهذه السِمة الأصيلة للسياسة الخارجية السعودية مكَّنت المملكة العربية السعودية من إقامة وتأسيس علاقات ثنائية مع أنظمة ودول العالم ذات التوجهات السياسية المعتدلة والهادفة والبناءة حتى أصبحت واحدة من أكثر دول العالم تنوعاً في علاقاتها الثنائية على مدى تاريخها الممتد مُنذُ عهد التأسيس. وهذه العلاقات الثنائية المتعددة والمتنوعة التي بنتها وأسستها وأقامتها المملكة مع معظم أنظمة ودول العالم تطورت بتطور المجتمع الدولي وبعدد أطرافه الدولية صاحبة السيادة والاستقلال. نعم، لقد ابتدأت المملكة تأسيس وإقامة علاقاتها الثنائية مع الأطراف والدول المُستقلة صاحبة السيادة الكاملة على أراضيها في ذلك الوقت الذي كانت فيه مُعظم أقاليم ومناطق العالم خاضعة للاستعمار الأجنبي والاحتلال العسكري المُباشر. نعم، لقد كانت العلاقات الثنائية محدودة العدد كانعكاس طبيعي لمحدودية عدد الدول المستقلة في ذلك الوقت الذي كانت فيه القوى الدولية الرئيسية في المجتمع الدولي - وخاصة القوى الأوروبية - مُهيمنة ومُستعمِرة ومُحتلة معظم أقاليم ومناطق العالم. إلا أن هذه الحالة من محدودية العلاقات الثنائية تلاشت تدريجياً، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م، مع تراجع حركة الاستعمار الدولية وتصاعد عدد المجتمعات والدول الحاصلة على الاستقلال في معظم مناطق وأقاليم العالم، وخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا. نعم، فمع التصاعد التدريجي لعدد المجتمعات والدول الحاصلة على الاستقلال والسيادة الكاملة على أراضيها واقاليمها، تنوعت وتعدد علاقات المملكة الثنائية وتصاعدت تدريجياً حتى أصبحت واحدة من أكبر دول العالم في علاقاتها الثنائية مع مختلف أطراف المجتمع الدولي. وبالإضافة إلى هذا التصاعد التدريجي في عدد الدول التي تقيم علاقات ثنائية مع المملكة، هناك أيضاً جانب آخر من العلاقات الدولية التي تعمل عليها السياسة الخارجية للمملكة والتي تتمثل بالعلاقات متعددة الأطراف مع المُنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية والعالمية التي تضمن العمل الجماعي والتعاون الدولي على أسس سليمة وهادفة وبناءة وتتماشى تماماً مع قواعد القانون الدولي الذي يكفل للدول حقوقها ويعزز سيادتها الكاملة على أراضيها وأقاليمها. نعم، لقد أكدت المملكة عند انضمامها للمؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية أهمية توحيد الجهود الدولية والتعاون الجماعي لخدمة الأهداف والقيم والمبادئ الإنسانية السَّامية التي تكفل للإنسان حقوقه الكاملة في جميع المجالات الصحية والخدمية والتعليمية والغذائية وغيرها من مجالات، كما أنها حرصت حرصاً شديداً على أن تتضافر الجهود الدولية لتعزيز الأمن والسلم والاستقرار الدولي والتصدي بحزم للعناصر والعوامل المدمرة للشعوب والمجتمعات والدول سواءً كانت أفكاراً متطرفة أو جماعات وتنظيمات إرهابية أو ميليشيات مسلحة هدفها تخريب وزعزعة أمن المجتمعات والدول. نعم، لقد كانت هذه هي الأسس التي انطلقت منها المملكة العربية السعودية في إقامة علاقاتها مع أطراف المجتمع الدولي سواءً كانت دولاً مستقلة أو منظمات وهيئات ومؤسسات دولية ذات أهداف وقيم سامية وبناءة.
وانطلاقاً من هذه الأسس الأصيلة والهادفة والبناءة التي قامت عليها وانطلقت منها السياسة الخارجية للمملكة تجاه أطراف المجتمع الدولي بمختلف أقاليمه ومناطقه، تواصل السياسة الخارجية السعودية جهودها البناءة لتعزيز علاقاتها الدولية مع أطراف المجتمع الدولي بدون استثناء، ومع المجتمعات والدول والمنظمات في قارة آسيا في وقتنا الراهن. نعم، فبعد عقود من العلاقات الثنائية مع دول القارة الآسيوية، تعمل المملكة - في وقتنا الراهن - على تعزيز علاقاتها مع دول القارة الآسيوية بشكل عام، ومع دول جنوب شرق آسيا ودول وسط آسيا بشكل خاص. إنها مرحلة بناء جديدة تتبناها وتعمل عليها السياسة الخارجية السعودية بما يتفق ويخدم مصالح شعبها والمصالح المشتركة لجميع الأطراف ذات العلاقة. وهذه المرحلة الجديدة من مراحل السياسة الخارجية السعودية المتمثلة بأهمية تعزيز العلاقات مع دول القارة الآسيوية بُنيت على أسس صلبة ومتينة. فدول القارة الآسيوية بشكل عام، ودول جنوب وشرق ووسط آسيا بشكل خاص، أثبتت خلال العقود الثلاثة الماضية أنها دول تملك طموحات اقتصادية وصناعية وتطويرية وتقنية وتكنولوجية، بالإضافة للموارد البشرية الكبيرة والثروات الطبيعية المتنوعة والمتعددة، مما انعكس إيجاباً على مستويات التنمية والتطور والتحديث التي وصلت لها وجعلت منها دولاً مهمة في الاقتصاديات الدولية، فهذه الطموحات والإنجازات التنموية الكبيرة التي حققتها هذه الدول الآسيوية تتماشى تماماً مع طموحات وتطلعات المملكة التنموية والتطويرية والتحديثية، وبما يتفق ويتماشى مع "رؤية السعودية 2030"، مما يعني تكامل الطموحات وتقارب الرؤى والتطلعات بين الجانبين حتى أنها دفعت الطرفين - المملكة والدول الآسيوية - نحو مزيد من التقارب وتعزيز العلاقات.
وإذا أضفنا إلى أهمية تقارب الطموحات والتطلعات والرؤى الاقتصادية والتنموية والتطويرية والتحديثية بين المملكة ودول جنوب وشرق ووسط آسيا، أهمية العمل المشترك وبذل الجهود العظيمة بين المملكة ودول جنوب وشرق ووسط آسيا لتدعيم وتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، فإننا نفهم تماماً أهمية انضمام المملكة لـ "معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا" المبنية على موافقة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في جلسته يوم 23 ذو الحجة 1444م، 11 يوليو 2023م. نعم، لقد ارتأت المملكة أن موافقتها على طلب انضمامها لـ "معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا" من شأنه أن يساهم في تعزيز القيم والمبادئ السامية والنبيلة والجليلة التي تنادي بها وتدعو لها وتعمل عليها مع أطراف المجتمع الدولي، خاصة وأن هذه المعاهدة تضمنت العديد من تلك القيم والمبادئ السامية التي أشار لها ميثاق المعاهدة بشكل مباشر خاصة فيما يتعلق بتعزيز حالة السلام والاستقرار الإقليمين من خلال الاحترام الدائم والصداقة والتعاون المتبادل وبما يتفق مع روح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، بالإضافة للتأكيد على أهمية حل النزاعات والخلافات بالطرق السلمية والحوار والمفاوضات. نعم، لقد اتفقت رؤى جميع الأطراف، المملكة ودول جنوب وشرق ووسط آسيا، على أهمية تعزيز العلاقات على جميع المستويات وفي كل المجالات إيماناً منهم جميعاً بأن تقاربهم وتضافر جهودهم سيساهم مساهمة مباشرة في خدمة الاقتصادات والتنمية والتطوير والتحديث التي يتطلعون لها، بالإضافة لتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الدولي ومواجهة التحديات الدولية المُتصاعدة. فإذا أدركنا أهمية هذه المشتركات والاهتمامات والآمال والطموحات الكبيرة التي تتطلع لها وتعمل عليها المملكة ودول جنوب وشرق ووسط آسيا، فإننا أيضاً نفهم تماماً أهمية القرار الحكيم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - بعقد "القمة خليجية مع دول آسيا الوسطى" بمحافظة جدة في 19 يوليو 2023م، وما رافقه من توجيه الدعوات الكريمة لملوك ومشايخ وقادة ورؤساء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى، ولرئيس جمهورية كازاخستان للمشاركة في "القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى."
وفي الختام من الأهمية القول إن تعزيز المملكة لعلاقاتها ولشراكاتها مع دول جنوب وشرق ووسط آسيا يأتي متماشياً تماماً مع التقارب الثقافي والحضاري بين الشعوب والمجتمعات، ويعبر عن عمق الطموحات الاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية والتنموية والتطويرية بين الجانبين، ويتوافق تماماً مع الأدوار الكبيرة الهادفة لتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، إن الأدوار القيادية والبناءة والهادفة التي تلعبها المملكة على المستويات الإقليمية والدولية جعلها مكسباً وإضافة عظيمة لكل دولة تقيم علاقات معها، ولكل منظمة وهيئة ومؤسسة إقليمية ودولية وعالمية تنضم لها، ولكل إقليم أو قارة تعمل معها وتتشارك تطلعاتها ورؤاها، كما أنها كذلك للمنطقة التي تنتمي لها وتتواجد بها.




http://www.alriyadh.com/2023161]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]