المملكة تستطيع وبسهولة أن تكون مركزاً مالياً وحاضنة لصناعة القرار السياسي، وبالأخص لدول شرق أوروبا وآسيا وإفريقيا، إلى جانب أن وزارة الخارجية السعودية عليها دور في مواجهة الأنماط المتجنية، وعلى طريقة نظيرتها البريطانية..
احتفالات اليوم الوطني الأخيرة كانت مختلفة، وتجاوزت محيطها المحلي إلى العالمية، فقد استثمرت في برنامــــج استقطاب نجـــوم كرة القــــدم الدوليين، واستعانت بهم كسفراء لنقل الصورة الواقعية عن المملكة، بعيداً عن تنميط اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، وساهمت في التعريف بثقافتها المتسامحة والمتصالحة مع نفسها، وهؤلاء اللاعبون الكبار يتابع أخبارهم الملايين من مختلف الجنسيات، وهم محل ثقة ومصداقية عند جماهيرهم، وتأثيرهم الإيجابي لا يقدر بثمن، فقد تم تداول صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو لهم على السوشال ميديا، وبالأخص الحركات العفوية التي قاموا بها، وارتدائهم الزي السعودي والاستمتاع بالرقصات الفلكلورية والشعبية، وتناقلت الصحافة الدولية أخبارهم باستحسان أو استياء أحياناً، ومن بينهم لاعب الاتحاد السعودي الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما، الذي تمت مهاجمته من قبل زعيم لحزب يميني متطرف في فرنسا، لأنه أخذ صورة وهو يلبس الثوب والبشت والشماغ السعودي، ولولا تأثيره الواسع لما تحرك المأزومون ضده.
لا أحد يختلف بأن ما حدث سيعود بالمنفعة على السياحة والاستثمار في المملكة، وسيحقق مكاسب مهمة للاقتصاد الوطني، وكرة القدم تعتبر الرياضة الأولى في معظــــم دول العالم، والأداة الأهم في تسويق الثقافة، وفي استقطاب فئات جديدة لزيارة الأراضي السعودية، ولعل هذا العمل الاحترافي يمثل نقلة نوعية للفكر التسويقي الثقافي، ودائما التجارب الأولى قد تحتمل بعض الأخطاء، فالأندية الرياضية لم تستوعب معادلة الاستثمار في اللاعبين النجوم بالشكل المطلوب، وهذه المسألة تتطلب تدخل من وزارتي الرياضة والسياحــــــة معاً، وقيـــــــامهما بوضع استراتيجية تســــويقية مدروسة، تعمل لمصلحة الوزارتين والأندية، وتخصيص مدير تسويق عام لكل مدينة، مثلما يحدث في أميركا، وبحيث يرتبط بمجلس تنسيق وطني، يضمن تناغم المجهودات والأهداف الخاصة في كل مدينة، بالتعاون والشراكة مع الأجهزة الحكومية والخاصة.
تسويق الدولة لا يتوقف على كرة القدم، ويستهدف بالتأكيد توسيع دائرة تصدير المنتجات الوطنية، ورفع قيمتها، والوصول إلى القبول بها في الأسواق العالمية، ويمكن الاستفادة من تجربة جنوب إفريقيا، التي عملت عليها طوال 12 عاماً، طورت خلالها منتجاتها وجودتها، وبطريقة أوصلت القيمة السوقية لعبارة (صنع في جنوب إفريقيا) إلى قرابة 75 مليـــــار دولار، وبما يحيد من فرص الوقــــــــوع في الفخ الصيني، فالصين ورغم أنها من أكبر الدول المنتجة لكل شيء في العالم، بما فيها بعض العلامات التجارية الأميركية والأوروبية، إلا أن منتجاتها الأصلية لا تعامل بثقة، في الغالب.
مع أن الأيدي العاملة واحدة في الحالتين، والسابق كان ولا زال بفعل الدعاية الغربية المتآمرة عليها وعلى اقتصادها الضخم، والأعجب أن هوليود جملت صورة الصيـــــن في فيلمين الأول (2012) والثاني (الجاذبية)، لأنها استحوذت على بعض مرافقها، وكوريا الجنوية تنفق واحد في المئة من دخلها السنـــــوي على تسويق الثقافة الكورية عالمياً، ونجاحاتها مشاهدة في أماكن كثيرة، ومعها فيلم (براسايت) الفائز بجائزة الأوسكار، ودوره الأسطوري في الترويج لعاصمتها سيول، والمملكة تستطيع وبسهولة أن تكون مركزا ماليا وحاضنة لصناعة القرار السياسي، وبالأخص لدول شرق أوروبا وآسيا وإفريقيا، إلى جانب أن وزارة الخارجية السعودية عليها دور في مواجهة الأنماط المتجنية، وعلى طريقة نظيرتها البريطانية، والثانية يوجد على موقعها الإلكتروني تقرير يتم تحديثه سنويا، متاح لاطلاع مواطنيها، وهو يتناول صورة البريطانيين في الخارج وأسلوب التعامل معها.
بالإضافة إلى ترتيب توقيت زيارة الشخصيات المعروفة للعمرة، وبصورة تتزامن والمؤتمرات المهمة أو المناسبات الثقافية والاحتفالية، والحرص على دعوتهم لحضورها، وتسويق الجامعات السعودية واستقطاب الطلبة الأجانب للالتحاق بها، بمنحة أو بمقابل مادي، كما هو الحال في الجامعات الغربية، خصوصا أن نظام الجامعات الجديد ينسجم مع هذا التوجه، والسياحة التعليمية ضخت في الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 45 مليار دولار سنوياً، بحسب إحصاءات 2019، فالطلبة الأجانب يحركون الاقتصاد في كل مدينة يتواجدون فيها، وتوظيف سياحة الكرفانات في الوجهات البرية الهادئة، وعند مخيمات أصحاب الإبل.
في بداية سبتمبر من العام الحالي صدر مؤشر (برنارد فايننس) والذي يهتم بترتيب الدول في مجال القوة الناعمة على مستـــــوى العالم، وقد جـاءت المملكة في المركز التاسع عشـــر من أصل مئة وعشرين دولة، وتقدمت على ترتيبها في عام 2022 بخمسة مراكز، بخلاف أنها تفوقت على دول كسنغافورة وفنلندا وبلجيكا، وبالنسبة لي أميل لمن يرى أن تســــــويق الدولة أو المدينة إجمالاً، يعتمد على أصولها وسمعتها، والأولى تعنــــي قياس الإنفاق السيـــــاحي السنـوي فيها، ومستوى الصحة والنظافة وجودة الحياة، ومعدلات الجريمة، علاوة على عدد مناطق الجذب ومتوسط أسعار الفنادق، والثانية تختبر باستخدام برامج متخصصة كـ(غوغل ترندز) و(تربيل فايزر)، ومعها وحدة الهوية والعلامة التجارية لكل مدينة، ومن الأمثلة، مكة مدينة الحج والعمرة، وباريس مدينــة الرومانسية، والبندقية مدينة العشاق، وميلانو مدينة الموضة، وطوكيو مدينة الحداثة، وبرشلونة مدينة الثقافة، ولاغوس مدينة الفساد.




http://www.alriyadh.com/2035526]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]