لم يعد هناك شك بوضوح تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على ممارسات العلاقات الدوليّة مع انتشارها العالمي، وصعوبة السيطرة على طرق تناول وتداول (عموم النّاس) للقضايا والمواقف على هذه الشبكات. ويمكن القول إنّنا الآن وصلنا اليوم مرحلة متقدّمة في هذا التأثير بدأت إرهاصاتها مع بدء الانتشار الجماهيري للإنترنت مع مطلع الألفيّة الثانية. ومن هنا نرى كيف بات واضحاً تغير ميزان أطراف المعادلة، والجهات الفاعلة في تأطير العلاقات الدوليّة بسبب ثورة الاتصالات وجماهيريّة التطبيقات المتجدّدة للإنترنت. هذه الثورة الاتصاليّة -كما هو واضح- أثّرت بشكل عميق ليس في طبيعة العلاقات الإنسانيّة فقط، بل في تشكيل أركان جديدة لنشاطات احتكرتها السلطات والنخب ردحًا طويلاً من الزمن خاصة في الجوانب الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
وعلى هذا الأساس تغيرت مستويات الكثير من أدوار الدول والشركات والمنظمات والمؤسسات الدوليّة والأفراد تبعاً لهذا الحضور البشري التفاعلي والكثيف على منصّات التواصل الاجتماعي العالميّة. وأمام هذا التحدي الهائل وجدت الدول نفسها وسط الصخب الذي لا تملك التحكم في مدخلاته ومخرجاته، فكان أن اتّبعت المثل السائر "إذا لم تتمكّن من التغلّب عليهم، فانضم إليهم". ولهذا ظهرت السفارات الإلكترونيّة لكثير من الدول، وأصبح واقعاً أن ترى الحضور الرقمي النشط لمعظم دول العالم على شبكات التواصل للتفاعل المباشر مع مواطنيها ومع الشعوب في العالم الخارجي وأحيانًا مع كل شعب بلغته.
وحيث ظلّت الدبلوماسيّة -خاصّة في الأزمات- تعتمد تقليدياً على الاتصالات السريّة واللقاءات خلف الأبواب المغلقة، دخلت وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً معطلاً أحياناً للجهود الدبلوماسيّة من خلال الضغط الشعبي (التنافس الحزبي) لجعل المفاوضات علنيّة، مما قد يؤدي إلى تفاعلات شعبويّة، وتصريحات أكثر تصادميّة تضرّ بجهود الوسطاء أو العقلاء في الجهتين.
وهناك مواقف كثيرة أدى فيها الخطاب التحريضي عبر منصّات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعقيد المواقف وتصعيد التوتّرات وسوء التفاهم داخل شرائح المجتمع في الدولة الواحدة وبين بعض الدول. ويستدل الباحثون بما صنعته حركة "حياة السود مهمة" عام 2020 من تظاهرات واجتماعات واستقطاب الرأي العام العالمي وانكشاف العلاقات الاجتماعيّة داخل الولايات المتحدة وكل ذلك من خلال النشاط الرقمي.
وفي سياق أوسع نجد أن نشر تغريدات أو مقاطع من مسؤول أو حتى مواطن عادي وتراها دولة أو ثقافة أو شخص من مجتمع آخر مسيئة قد تُشعل حمّى روّاد الشبكات الاجتماعيّة وتنتقل منها إلى برامج الحوارات الجماهيريّة لتشكل ضغطاً قد ينتهي بقطع علاقات، أو استقالة مسؤول، وغير ذلك من التداعيات. ولهذا ظهرت تحذيرات من توظيف هذه الشبكات ضمن أدوات الصراع والمنافسة لتهييج المجتمعات على بعضها والإضرار بالعلاقات بين الدول لأهداف مبرمجة.
قال ومضى:
أخطر ما في الشبكات الاجتماعية أنها قد تكون مثل السلاح بيد الحمقى والمجانين..




http://www.alriyadh.com/2035755]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]