إسرائيل عليها أن تدرك أنها إذا لم تمنح الفلسطينيين حقوقاً مقبولة على أرض الواقع فإنها مهيأة أن تصاب بلعنة التطبيع، فمحاولات إسرائيل المساهمة في بناء نموذج للشرق الأوسط يتناسب وأهدافها، قد يتحول إلى سلسلة من الأزمات ونمو التطرف في جميع الاتجاهات..
ما الاندماج الإسرائيلي في الشرق الأوسط وكيف يمكن تفسيره؟ وما قدرة فكرة الاندماج على توليد أفكار حقيقية تساهم في تحقيق الهدف المطلوب إنجازه من أجل شرق أوسط مستقر متطور؟ من أجل فهم هذا السؤال وقبل الإجابة عليه لابد أن ندرك الكيفية التي ترى فيها أميركا المنطقة، فقد قال وزير خارجية أميركا ضمن تعليقاته على فكرة الاندماج الإسرائيلي: "إن المنطقة شهدت أكثر من أربعة عقود من الاضطرابات، ولذلك فإن الانتقال من منطقة الاضطرابات إلى منطقة ذات استقرار وتكامل أكبر بكثير، سيكون له فوائد عميقة للناس في المنطقة وأعتقد أن الفوائد العميقة للناس في جميع أنحاء العالم"، وقال أيضاً: "إن أي اتفاق بين البلدين سيحتاج إلى تضمين عنصر مهم للفلسطينيين".
اليوم هناك ست دول عربية لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مصر، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، المغرب، هل هذه العلاقات اليوم قادرة على أن تكشف صيغة للعلاقات العربية الإسرائيلية حيث التحول المنتظر الذي يمكنه أن يغير السياسة والاقتصاد في الشرق الأوسط مستقبلاً؟ إذا كانت إسرائيل تطمع بتحقيق آثار اقتصادية خلف هذا التقارب مع دول الشرق الأوسط عبر تقديمها التكنولوجيا المتطورة في مجال الدفاع والأمن السيبراني والرعاية الصحية والزراعة، ففي ذات الوقت هناك دول عربية أخرى لديها ما تقدمه لإسرائيل في مجالات سياسية واقتصادية.
لنكن واقعيين من حيث الفائدة التي قد تجنيها إسرائيل من خلال وجودها في المنطقة، اليوم إسرائيل لا تحصل على ميزات فعلية سوى الاعتراف الدبلوماسي من الدول التي تقيم معها علاقات سياسية، والاعتراف الدبلوماسي بحد ذاته لا يمكنه تحقيق فكرة الاندماج المنتظرة؛ وخاصة أن الأفكار الإسرائيلية لا تزال غير واضحة حول أهداف إسرائيل في المنطقة، نحن نفتقد فعلياً إلى فهم الرؤية الفكرية لدى المثقفين والكتاب الإسرائيليين حول فكرة الاندماج في المنطقة، كل ما نعرفه عن إسرائيل هو تكرارها لميزاتها فيما يخص قوتها الصلبة التي تمتلكها وأنها تريد فقط جعل المنطقة سوقاً استهلاكية لمنتجاتها، هل هذا ما تفكر به إسرائيل فقط، وهل هذا تقييم متخلف للواقع العربي أم أن الفكرة الإسرائيلية لم تتغير؟
ما لم نفهم فكرة الاندماج من منظور مشترك على المستوى الفكري قبل المستوى الدبلوماسي فإن وجود إسرائيل في المنظومة الدبلوماسية العربية لن يتجاوز القالب السياسي، وهو قالب سوف يظل هشاً ويحتاج إلى دعم ثقافي واجتماعي وإلا فهو معرض للتراجع مما يؤدي إلى تجدد واندلاع العنف الإسرائيلي - الفلسطيني، لن يكون من السهل التنازل عن حقوق الفلسطينيين بمجرد إبرام الاتفاقات مع دول كبرى في الشرق الأوسط، الحق الفلسطيني قضية معقدة سياسياً وتاريخيا وقبول التحول التاريخي أو العمل عليه في المنطقة من خلال قبول الوجود اليهودي ليس عملية سياسية سهلة لأن الدول العربية بوجه خاص سوف تتحمل تاريخياً الآثار الجانبية لمثل هذا الفعل التاريخي.
العمل مع حكومات إسرائيلية متشددة أو حركات صهيونية دينية محافظة حالة تعبر عن عدم الاستقرار وسوف تؤدي إلى زيادة التوتر مع الشعوب في المنطقة ومع العرب داخل إسرائيل، فإسرائيل تعاني من مشكلة في صورتها الذهنية بين العرب، وقد أثبتت الكثير من الدراسات مواقف الشعوب العربية من إسرائيل، خلف هذه الأسباب تقود السعودية وهي أكبر الدول العربية والشرق الأوسط في تأثيراتها السياسية ومكانتها الاقتصادية ونموها الحضاري المتسارع لتضع الحل الفلسطيني أحد أهم شروط التطبيع لأنها ترغب أن يكون السلام حقيقياً ومفيداً للجميع دون استثناء.
إسرائيل عليها أن تدرك أنها إذا لم تمنح الفلسطينيين حقوقاً مقبولة على أرض الواقع فإنها مهيأة أن تصاب بلعنة التطبيع، فمحاولات إسرائيل المساهمة في بناء نموذج للشرق الأوسط يتناسب وأهدافها، قد يتحول إلى سلسلة من الأزمات ونمو التطرف في جميع الاتجاهات، دول الشرق الأوسط لديها قيم مجتمعية وثقافية يصعب اختراقها مهما كانت بعض هذه الدول تعاني سياسياً أو اقتصادياً، دول الشرق الأوسط ليست منطقة يمكن تغليفها بالدبلوماسية وخاصة في علاقتها المحتملة مع إسرائيل فهناك قوى تتقاسم النفوذ في المنطقة وليس العملية الأمنية فقط هي ما تحتاجه المنطقة فقد تشبعت المنطقة من الحروب والأزمات.
النمو الاقتصادي أهم المعطيات لصناعة الاستقرار في المنطقة؛ وهذا يتطلب مستوى من التساوي بين الدول في المنطقة بما فيها إسرائيل التي سوف تنكشف على واقع دبلوماسي لم تتعود عليه من خلال مشاركتها في تحمل أزمات المنطقة والمساهمة في الخروج منها، فإسرائيل لن تظل تلك الشجرة التي تجلب تربتها من أميركا أو أوروبا عليها أن تستعد لتجربة التربة العربية والشرق أوسيطة التي يشترك فيها الجميع دون استثناء، فهل إسرائيل مستعدة أم أن اندماجها فكرة مختلفة عن نوع الحياة في الشرق الأوسط؟
http://www.alriyadh.com/2036964]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]