الإحساس بالضعف والعجز موجع، والشعور بأن العالم برمته يقف ضدك وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً يجعلك تقع في حيرة.. نحن نشعر بغصة القهر هذه الأيام لأننا نرى إخوتنا في غزة يُسحقون، ونحن نعلم أننا عاجزون عن مساعدتهم..
لم يكن مجديا في يوم أن نستجدي العالم أن يقف معنا ومع قضايانا، وتأكد هذا الموقف بشكل "بجح" في أحداث غزة الأخيرة، فالعالم لا يرانا ولا يعترف بوجودنا، وما لم نجبره على أن يرانا سنظل خارج دائرة التأثير، الكل يتساءل لماذا يصدق العالم رواية الكيان الصهيوني، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه كيان كاذب وعنصري ولا يصدقون رواية الفلسطينيين والعرب جميعا وهم يعلمون أنهم أصحاب حق، ويرون الظلم الفادح الذي يقع على هؤلاء الأبرياء منذ أكثر منذ سبعين عاما؟. لا نستطيع أن نقول إن العالم أصبح منافقا، فقد تعدى مرحلة النفاق كثيرا، ولا نستطيع أن نتوقف عند مسألة ازدواجية المواقف، فهذه لم تعد موجودة، بل إن دولة تتشدق بحقوق الإنسان، مثل الولايات المتحدة تقول على لسان رئيسها: "إننا نقف مع إسرائيل طالما أننا موجودون، سنكون موجودين إلى الأبد"، ليعلم الجميع أننا وحدنا في هذا العالم، وأنه لا سبيل لنا إلا أن نكون أقوياء، والذين يتشبثون بقرارات الأمم المتحدة وينتظرون من مجلس الأمن الإنصاف هم الضعفاء فقط.
بعد الانفجار الهائل في مستشفى المعمداني في غزة، الذي راح ضحيته مئات الأطفال والنساء، وتصريح كثير من الدول التي ترفع راية "الأخلاق" بأن الانفجار مسؤولية حماس، دون بذل الجهد أو حتى التفكير في التحقيق بالأمر، تذكّرت الأيام الأولى للاعتداء الوحشي الصهيوني على الأبرياء في غزة وكيف أن رؤساء الدول المرتمية في أحضان الكيان المحتل تصايحوا بأن الفلسطينيين قطعوا رؤوس أربعين طفلا. وبالطبع لم يفكروا بأن يعتذروا بعد أن كُشف كذبهم، فهم يعلمون أنهم كاذبون، ولن يعتذروا طالما أننا ضعفاء، لأنهم يعلمون أننا بلا أثر ولا تأثير ولن نستطيع أن نفعل شيئا وليس أمامنا إلا الدعاء فقط.
الإحساس بالضعف والعجز موجع، والشعور بأن العالم برمته يقف ضدك، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئا يجعلك تقع في حيرة، نحن نشعر بغصة القهر هذه الأيام لأننا نرى إخوتنا في غزة يُسحقون ونحن نعلم أننا عاجزون عن مساعدتهم.
بعض الزملاء ينظر إلى ما يحصل نظرة إيجابية، فقد أيقظ الضعف الرغبة في التكاتف، يقول أحدهم إن العروبة كادت أن تموت، فأعادتها أحداث غزة إلى الحياة وضخت فيها دماء جديدة، فقلت له ما نفع العروبة والعرب ضعفاء علميا واقتصاديا وعسكريا، ما نفع العروبة وقد أصبحنا أكثر هونا على خصومنا، فهم لا يروننا نستحق الوجود، المسألة لا تحتاج إلى شعارات بل إلى عمل، والعمل ليس متاحا الآن ولا حتى في المستقبل القريب. يذكر زميل آخر أن ما يحدث أعاد القضية الفلسطينية إلى قمة اهتمام المواطن العربي، فقد كاد أن ينسى العرب قضيتهم الأولى، وصاروا يستسلمون واحدا تلو الثاني، فأعاد أطفال غزة الوهج لهذه القضية، ومن كان يشك أن بني صهيون هم ألد أعدائنا بات يدرك أنهم "هم العدو" ويجب الحذر منهم، هذه النظرة الإيجابية لا تنفي أبدا أننا نعيش حالة ضعف غير مسبوق، وأننا أصبحنا خارج المعادلة وأن أعداءنا لا يترددون للحظة في إهانتنا لأنهم يعلمون أننا لا نستطيع أن نرد عليهم.
لطالما كنت مؤمنا أن القوة تكمن داخلنا، ويجب علينا البحث عنها وإطلاقها، ولا يمكن أن نستجديها من الآخر.. لن أقول إن هذا الايمان صار يضعف مع الحالة المتردية التي يعيشها العرب جميعا، بل إنه يزداد قوة كل يوم، فلا سبيل لبقائنا إلا من خلال اكتشاف ماذا نملك وماذا نستطيع أن نحقق، يجب أن نبحث عن المفاتيح التي تفتح أبواب القوة الكامنة فينا وألا نبقى تحت رحمة الآخرين، ما نبحث عنه الآن هو "كيف يمكن أن يهابنا العالم ويحسب لنا ألف حساب؟" فإذا لم توقظنا أحداث غزة، فلن نستيقظ أبدا.
أعيش حالة غضب وحيرة وإحساس بالضعف، لم أشعر بها من قبل، فقد كنت أغضب لكل حدث أشعر فيه أنه يزيدنا ضعفا، وما أكثر تلك الأحداث، لكن لم أصل أبدا لهذا الشعور بفقدان الحيلة، وبأن جميع الطرق أمامنا مغلقة، لم أجرب مثل هذه الحالة التي أصبح فيها العالم بلا أخلاق وبلا إحساس ولا يرى الحق ويتبع ما يمليه عليه الأقوياء فقط، العالم يصدق ما يقوله الكيان الصهيوني، لأن الدول الكبرى تريد لهذا الكيان الوجود والبقاء وتنصره بكل وحشيته، ولأن العالم أصبح بلا إرادة، مجرد تابع لما تمليه المصالح وما يفرضه الأقوياء.
لذلك من يعتقد أن هذا العالم سينصفنا في يوم فهو واهم. ومع ذلك لا يمكن أن نتجاهل الشرفاء في كل مكان في العالم، وهم قلة، ويتناقصون يوما بعد يوم، فهؤلاء آخر حبل يربط البشرية مع الحق والأخلاق، وهو حبل ضعيف يكاد ينقطع.




http://www.alriyadh.com/2039124]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]