في القلب الصاخب لمقرات شركات التقنية في وادي السيلكون، تتكشف سلسلة من الاجتماعات، كل منها قطعة حيوية في لغز أكبر. تتجمع الفرق في غرف مؤتمرات حديثة ذات جدران مقلمة بالنور الذي يتسلل بين الستائر من الزجاج الداكن، حيث يجتمع ممثلون من العديد من المؤسسات الإخبارية والمؤسسات المختلفة لصناعة الإعلام، هذه الجلسات ليست مجرد اجتماعات؛ إنها ساحات تعاونية للعصف الذهني، تنبض بالأفكار حول كيفية تشابك التقنية مع الصحافة.
منذ منتصف السنة الماضية، وقبل أن ترفع مؤسسة التايمز الشهر الماضي قضيتها ضد شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح، كان الكتاب والإعلاميون نشطين لمواجهة الموجة الجديدة، ففي أماكن مختلفة من العالم، توجد مقاومة هادئة ولكنها مركزة، يجلس الكتاب والفنانون، بحواجبهم التي تغضنت من شدة التركيز، أمام حواسيبهم التي امتلأت باللاصقات الملونة، وهم يغلقون ملفاتهم الرقمية بحرص، يجلسون ساعات لحماية إنتاجهم ضد المد الرقمي غير المرئي، في المقابل، يعمل الآخرون الذين أمنوا إبداعاتهم، في مقاطعة مواقع الإنترنت التي تعرض محتوى مدعوماً بالذكاء الاصطناعي، ليست أفعالهم احترازية فقط، إنما هي مواقف صارمة لحماية حقوقهم، مشكلين كتيبة دفاعية تتحدى الاستخدام غير المشروع لأعمالهم.
في المشهد الرقمي الذي يتطور باستمرار، لا يلاحظ أحد تقريباً الممارسة الروتينية التي تجريها المحركات التي تجمع محتوى الصفحات في قواعد البيانات موزعة في أرجاء العالم بما يعرف بكشط الإنترنت، جمعت شركات التقنية وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الربحية، بمكاتبها التي تطن بهمهمة خوادمها التي تدور كمحركات الطيارات النفاثة مشعلة شاشات الحواسيب عارضة ملخصات لمساحات شاسعة من البيانات التي تتراكم واحدة بعد أخرى كل ثانية، على الرغم من أن ممارسة جمع البيانات ليست سراً، إلا أن إدراك ما ستؤدي إليه هذه البيانات ظل يحلق على مستوى منخفض بحيث لا يلتقطه رادار الوعي العام.
ومع ذلك، تحول المشهد كثيراً مع ظهور تشات (جي بي تي) لأول مرة، في غرف المعيشة والمقاهي والمكاتب في جميع أنحاء العالم، انحنى الناس بالقرب من شاشاتهم، مفتونين بقدرات برنامج الدردشة الجديد، وهم في غمرة تفاعلهم، أدركوا ما لم يدركوا من قبل: بني الذكاء الذي يشغل تشات (جي بي تي) من بيانات الإنترنت التي كشطت عبر سنوات طويلة في غفلة من الجميع.
تموجت ردود الأفعال نتيجة الوعي الجديد الذي تكون في المجتمع الرقمي، المسؤولون التنفيذيون للشركات التي لم تبالِ سابقاً بأنشطة كشط البيانات، وجدوا أنفسهم فجأة في خضم نقاش يزداد حدة وجدية. لم يعد الأمر يتعلق بجمع البيانات فقط، إنما يتعلق بالآثار المترتبة على استخدام هذه البيانات لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة. ما بدا في السابق مسعى تقنياً لا ضرر منه، أصبح محل تدقيق ونقاش ساخن، يتحدى التصورات السابقة ويثير الأسئلة الحرجة حول استخدام البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي.
http://www.alriyadh.com/2053829]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]