يمرّ العالم العربي¡ وأخص جزيرة العرب¡ بفترة أستطيع القول عنها العصر الشّعْري.
لكن ثمة ملاحظات تخطر في ذهني¡ هي أن عدداً من المجيدين لم يحصلوا على التغطية الكاملة والجديّة لأعمالهم ولا لشخصياتهم وسيرهم الحياتية.
المقابلات التلفازية في الفضائيات أجراها ويجريها الجنس الناعم مع شعراء من نوع خاص فقط.
في الساحات شعراء كثر نشروا¡ واتصف شعرهم ليس بالجودة فقط¡ بل بالنزاهة والموضوعية والخصوصية أيضا.
لم أُشاهد مرة شعراء في مقابلة فضائية¡ أو غيرها¡ يجري التمهيد لها صحفياً. لم أرَ المرحوم محمد المشعان مثلا أثناء عطائه¡ وهو قد نشر أسفارا من الدواوين وأسهم في جريدة الرياض بانتظام. ودوره منظور في خارطة الأدب. وأيضا لم أرَ المرحوم عبدالعزيز المسلّم أثنا زمزمات رعوده.
سليمان الشرّف والدامغ والرويس كل أولئك نشروا وظهرت قدراتهم الشعرية والبلاغية وأعطوا دفعات للقافية موضوعا وبلاغة وموسيقى وتجربة.
هذا الاتصال المبرمج والآتي إلينا كمتلقين على شكل لقاءات يُساهم في تشغيل الأذهان نحو شخص وليس نحو شاعر..
العطاء هو العملة الصعبة -في رأيي- وليس ذات المُعطي¡ والتكرار المضجر لم يكن ليحدث لولا وجود مناخ أدبي عام يتقبل أي شيء من تلك المقابلة الشخصية¡ وبإمكانه أن يقول أي شيء ويصبح ما قاله في حكم المحسوم.
لستُ أطالب بتعميم تلك المقابلات والأمسيات مع الشعراء كافة. بعض الجيدين لا يرغبون أصلا¡ لكنني أدعو إلى تقليل ذاك الزخم الإعلامي مع أطراف كتبتْ شعرا لم يحالفه عنصر الجودة. إلا إذا كان الموضوع لا يتعدى كونه رسالة ضمنية إلى هذه الشخصية أو تلك¡ للمجاملة فقط.
أخشى أن يكون هذا الطوفان الإعلامي الآتي عبر الفضاء¡ وعبر محاورين يلحنون بالعربية. أو عبر ورق منمق صقيل عال¡ والذي هو ملهاة اجتماعية ذاتية التوالد. وقناعة المتلقي بالشاعر وليس بالشعر.
قرأتُ عبارة أعجبتني للشاعر محمد عفيفي مطر يقول فيها: المشكلة مع الجيل الجديد من الشعراء أنه يريد أن يصل إلى الشهرة بقوة السلاح وليس بقوة الشعر. ولم يعد مستغربا أن يستعمل أحدهم "مطواته" ليُقنعك بجمال قصيدته.
عصر ثورة الاتصالات لا يحتاج إلى "مطواة"¡ بل يكفي مُقدمة برنامج جميلة¡ تُجري مع الجديد على القوافي مقابلة فضائية. وتجعل الجديد متنبي زمانه.
قال الرصافي:
لا درّ در قصيد راح ينظمهُ
من ليس يعرف معنى الدرّ والدررِ
يبكي الشعور لشعر ظل ينقدهُ
من لا يُفرّق بين الشعْر والشعَرِ
إضغط هنا لقراءة المزيد...