تحدثت في المقالتين السابقتين عن دور الاستراتيجية في مواجهة التحديات والتنازلات التي يفرضها واقع المؤسسات الناشئة¡ ومنها الجامعات. ومن أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الناشئة قلة الموارد¡ أو عدم ملاءمة الموارد المتوفرة للتطلعات. من أجل ذلك ينبغي على المؤسسات التي تواجه ضعفاً في الموارد تقديم تنازلات. وقد يكون من التنازلات التي يجب تقديمها التخلي عن نطاق المؤسسة المقرر إلى نطاق أقل اتساعاً. وفي نطاق مواجهة التحديات وتقديم التنازلات فإن على المؤسسة معالجة البيروقراطية بشقيها الداخلي والخارجي.
لا أظن أن أي مؤسسة تطبق استراتيجية ما ستجد تحدياً أصعب من البيروقراطية. وعندما نتحدث عن البيروقراطية بمفهومها الشائع¡ فإننا نتحدث عن ذلك الشبح الذي يخيم على المؤسسة سواء من الداخل أو الخارج مؤدياً إلى إصابتها بداء الشيخوخة المبكرة. فمن أجل تطبيق أي استراتيجية بنجاح لابد للمؤسسة من امتلاك القدرة على التغيير المستمر. وفي الحقيقة إن كل استراتيجية تبنى على تصور لواقع ما عرضة للتغير المستمر¡ مما يتطلب من المؤسسة الاستجابة لهذه التغيرات. إنما في وجود البيروقراطية¡ فإنها تعمل لتعطيل جهود التغيير حتى تصبح الاستراتيجية نفسها عبئاً ويكون التخلي عنها أفضل من بقائها.
تعمل البيروقراطية ضد الاستراتيجية من جهتين¡ الأولى من خارج المؤسسة والأخرى من داخلها. فإذا كانت المؤسسة مرتبطة بمؤسسات أخرى تشرف عليها أو تراقبها فإن بيروقراطية هذه المؤسسات تساهم في التأثير على الاستراتيجية من الخارج. فإذا اعتبرنا مثال تقليص نطاق عمل المؤسسة ليلائم الموارد أو ترتيب الأولويات بما يتماشى مع إمكانات المؤسسة¡ فإن تنفيذ هذه القرارات ربما يتطلب موافقة جهات خارجية. وإذا كانت هذه الجهات المسؤولة تعاني من داء البيروقراطية فإن قرارات المؤسسة الاستراتيجية ستتأثر نتيجة لذلك. أما إذا كانت البيروقراطية من داخل المؤسسة¡ فربما صعُب الوصول إلى قرار تقليص نطاق عمل المؤسسة من الأساس¡ حيث يظل القرار رهن عمليات روتينية لا تؤدي إلى نتيجة.
وإذا قورنت البيروقراطية داخل المؤسسة أو خارجها من حيث التأثير¡ فإن البيروقراطية تعمل ضد الاستراتيجية مع الفارق. فإذا كانت البيروقراطية خارجية¡ فإن قدرة المؤسسة على اتخاذ القرار ستكون محدودة في نطاق تأثير هذه المؤسسات الخارجية¡ ويبقى للمؤسسة قدرة داخلية على اتخاذ القرار الاستراتيجي. أما في حال البيروقراطية الداخلية¡ فإن المؤسسة تكون رهناً لما تلقيه هذه البيروقراطية من ظلال على القرار الاستراتيجي. وإذا كانت البيروقراطية متحكمة في المؤسسة فإن تأثيرها الداخلي يكون أشد من تأثيرها من الخارج. بل إن بإمكان الاستراتيجية أن تعد البيروقراطية الخارجية من ضمن القيود التي تؤخذ بالاعتبار. أما البيروقراطية الداخلية¡ فهي بحاجة إلى استراتيجية خاصة موجهة للقضاء عليها.




http://www.alriyadh.com/1708435]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]