ما زالت المملكة تبذل جهوداً كبيرة لمكافحة التطرف¡ سواء في العالم الافتراضي أم الحقيقي حتى أصبحت تمتلك خبرة مميزة للتعامل مع التطرف والجماعات الإرهابية¡ فتتغير السياسات وأساليب المكافحة تبعاً لتغير أساليب هؤلاء المتطرفين..
تناولت في مقالة الأسبوع الماضي موضوعاً عن مركز الحرب الفكرية وأهميته في مكافحة التطرف واجتثاثه من جذوره. واستكمالاً للحرب التي تقوم بها المملكة ضد الإرهاب والتطرف يأتي المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) والذي تم تأسيسه أثناء انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض في مايو 2017¡ ليكمل مسيرة جهود المملكة الشاملة في مواجهة التطرف والإرهاب. ويتميز مركز (اعتدال) بكونه لا يعتمد فقط على تحليل المعلومات¡ ولكن يقوم بتحليلها وفقاً للهجات المتعددة سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية. وهو أول تجمع دولي يواجه منابع التطرف الفكري. ويرسخ ثقافة الاعتدال¡ حيث جرى تطوير برمجيات مبتكرة قادرة على رصد وتحليل وتصنيف أي محتوى متطرف بدرجة غير مسبوقة من الدقة¡ مما يتيح آفاقاً جديدة في مجال مكافحة هذا الفكر الشاذ¡ وتقويض أركانه قبل أن ينتقل إلى شباب مغرر بهم فيقتنعون بطروحاتهم البعيدة عن العقل والمنطق.
كما يضم (اعتدال) مركزاً آخر يهتم بمكافحة وتمويل الإرهاب¡ وتبادل ومشاركة المعلومات الأمنية المتعلقة بالمنظمات الإرهابية بين الدول المؤسسة للمركز سواء كان على مستوى الإرهابيين كأفراد¡ أو أولئك الذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو الأعمال الإرهابية ومنظماتها¡ حيث يتولى هذا المركز تتبع كافة مصادرهم المادية والبنكية وممتلكاتهم العينية¡ ويرصد خفايا استثماراتهم المالية¡ ويجمد أرصدتهم المالية قبل أن تصل إلى أيدي الإرهابيين لتنفيذ علمياتهم القذرة.
ومن خلال استقراء لجهود المركز نجد أنه يقوم على ثلاث ركائز أساسية وهي صناعة خطاب إعلامي يتوافق وثقافة الاعتدال¡ ويساهم في تعزيزها عبر الاهتمام بالجانب الفكري¡ كما يرصد الأنشطة الرقمية للجماعات الإرهابية لمحاربتها فكريًا وإعلاميًا ورقميًا¡ ويسعى إلى ترسيخ المبادئ الإسلامية المعتدلة في العالم¡ إضافة إلى قيامه بالوقاية والتوعية والشراكة مع الهيئات والمؤسسات والأفراد¡ للإسهام في تحذير المجتمع وتحصين شبابه من الوقوع في براثن التطرف.
وتنطلق فكرة مركز (اعتدال) من تقديم معالجات أكاديمية متنوعة بالتعاون مع عدد من الخبراء والمتخصصين في المجالات الشرعية والفكرية حال ظهور التغريدات أو الرسائل ذات التوجه المتطرف على شبكة الإنترنت. وتهتم هذه المعالجات بمواجهة هذه الأفكار¡ وتفنيد ادعاءاتها الدينية والفكرية بأسلوب علمي يعتمد على الأدلة الشرعية¡ والحقائق البعيدة عن النزعات العاطفية المتشنجة¡ أو المعلومات غير الدقيقة مما يجعلها تحدث تأثيرا إيجابياً على المشككين أو القلقين ممن يقرأون عن شبهات هؤلاء المتطرفين.
وفي الواقع نجد أن المملكة بذلت خلال السنوات الماضية جهودًا ملموسة أسهمت بشكل كبير في حصار التنظيمات الإرهابية وتوقف عملياتها المدمرة¡ فمركز الحرب الفكرية والمركز العالمي لمحاربة التطرف (اعتدال) كلاهما يمثلان جزءاً من جهود المملكة في تصفية جذور الإرهاب. وهناك جهات أخرى تتكامل جهودها مع جهود هذين المركزين لتأصيل منهج الاعتدال¡ وبيان خلل من ينتهج الغلو والتطرف أسلوباً وطريقاً لحياته. ومن الأمثلة على الجهات الفكرية يأتي معهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال الذي يهدف إلى رفع مستوى وعي المجتمع تجاه الأفكار المتطرفة¡ وتعزيز قيم الاعتدال وروح الانتماء الوطني¡ ومن الأمثلة على الجهات الأمنية تأتي الإدارة العامة لمكافحة التطرف التابعة لجهاز أمن الدولة والمهتمة بتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية مما يساعد على وأد التطرف في مهده وقبل أن ينتقل تأثيره وضرره على الآخرين¡ هذا إضافة إلى الجهات الأمنية والفكرية الأخرى التي تتكامل جهودها لمعالجة هذه الآفة الخطيرة على الأفراد والمجتمع.
وما زالت المملكة تبذل جهوداً كبيرة لمكافحة التطرف¡ سواء في العالم الافتراضي أم الحقيقي حتى أصبحت تمتلك خبرة مميزة للتعامل مع التطرف والجماعات الإرهابية¡ فتتغير السياسات وأساليب المكافحة تبعاً لتغير أساليب هؤلاء المتطرفين ومن يشجع على الانضمام إليهم¡ مما يؤكد مواكبة المسؤولين عن مكافحة التطرف لأي تكتيكات جديدة يستخدمها هؤلاء المتطرفون للإيقاع بالشباب المستهدفين على وجه الخصوص.
ويبقى أن نستفيد من هذه المنصة في التعريف بهذه الحسابات وآلية عملها في استهداف وتجنيد الشباب والتشجيع على التطرف والإرهاب¡ خاصة وأن وسائلهم قد تتغير من الكلمة إلى الصورة أو الفيديو¡ ومن الأساليب المباشرة إلى الأساليب غير المباشرة كأن نجد هذه الحسابات وهي تستخدم الفنون أو الآثار مثلاً ثم تدخل إلى أهدافها في التشجيع على التطرف والتجنيد. وسيمكن التوسع في نشر هذه المعرفات التي من المؤكد أنها تستخدم أسماء ومنظمات وهمية¡ سيمكن من فضحهم على الملأ¡ والتحذير من متابعتها أو الإصغاء إلى ما تبثه من سموم ضد الدين والمجتمع. كما أن تحديد أماكن بثها سيعري الدول التي تتبنى مثل هذه الحسابات وأصحابها والذي من المؤكد أنها تأتي من دول لا تريد لبلادنا الخير ولا لمجتمعنا التقدم والتفوق.
http://www.alriyadh.com/1774766]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]