في كتابه (نقطة التحول)¡ يفسر مالكوم قلادويل التحول الأمني في مدينة نيويورك باستعراض السياق التاريخي للمدينة منذ الثمانينات لفهم التحولات التي مرت بها. فعلى الرغم أن ما قام به رئيس شرطة نيويورك قد أحدث تحولاً في أداء الشرطة إلا أن التحول الأمني الذي حدث في مدة وجيزة¡ أي في عامين أو أقل¡ جاء لأسباب أخرى. فبحسب قلادويل¡ فإن أسباباً أخرى لابد وأنها ساهمت في التحسن الملحوظ في أمن المدينة.
يجد المحللون عاملين مباشرين في السياق التاريخي للتحول الذي جرى في نيويورك: العامل الأول اقتصادي¡ فمنذ السبعينات إلى الثمانينات مرت الولايات المتحدة ومدينة نيويورك خصوصاً بحالة ركود ارتفعت له نسبة البطالة¡ ومع تعافي الاقتصاد في التسعينات¡ أصبح من الطبيعي أن تنحسر موجة الجريمة بانخفاض نسبة البطالة لوجود فرص عمل جديدة. العامل الآخر هو انحسار تجارة المخدرات¡ حيث كانت المخدرات محركة للجريمة المنظمة وعصابات الأحياء. ومع وجود عاملين في الوقت نفسه¡ الكساد الاقتصادي والاتجار بالمخدرات¡ كان من الطبيعي أن يؤدي الكساد الاقتصادي إلى كساد تجارة المخدرات¡ فهي في نهاية الأمر سلعة تتأثر بالقدرة الشرائية للسوق. إضافة للعامل الاقتصادي وعامل تجارة المخدرات¡ يعزى انخفاض الجريمة إلى عامل آخر وهو ارتفاع متوسط أعمار السكان¡ فالجريمة التي بلغت ذروتها في بداية الثمانينات بدأت تنحسر تدريجياً¡ نتيجة انخفاض متوسط عدد السكان الذين أعمارهم بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين¡ وهي الفئة التي تتسبب في النسبة الأكبر من جرائم العنف في المدينة.
فهل توافقت جهود رئيس الشرطة بنيويورك في تحول جهازه مع عوامل خارجية لا يد له فيها¿ هل يحدث التغيير نتيجة عوامل مجهولة تعمل لصالح قياديي التغيير دون علمهم¿ بحسب تحليل قلادويل¡ فإن الحالة الاقتصادية للمدينة لم تتحسن كما يبدو بل ساءت في بعض الأحياء¡ وأما تجارة المخدرات فإنها في انحدار تدريجي منذ بدء الثمانينات¡ ولم يتبعها انخفاض في الجريمة. كما أن ارتفاع متوسط أعمار سكان المدينة قابلته زيادة الهجرة الخارجية إلى المدينة مما أدى إلى انخفاض متوسط الأعمار لا زيادته.
وبالرغم من عدم نجاح التفسيرات المباشرة لسرعة التحول في أمن المدينة¡ فإن تحولاً جرى في فهم سبب انتشار الجريمة هو أقرب التفسيرات وراء معالجتها. ففي مطلع الثمانينات قام عالم الاجتماع المختص في علم الجريمة جيمس كيلينج بإقناع قسم المرور بالمدينة بتطبيق نظرية الشباك المكسور التي تنبأت بأن الجريمة تنتشر كما ينتشر الوباء¡ فتكون أدنى مظاهر الفوضى سبباً في انتشار الشعور بفقدان الأمن مما يؤدي إلى تنامي الفوضى والسلوك الاجتماعي المشين في سلسلة من التفاعلات التي تؤدي في نهاية الأمر إلى بيئة قابلة لانتشار الجريمة.




http://www.alriyadh.com/1776682]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]