لماذا تتشكل الأنهار بكل تعرجاتها وانقساماتها¿ كيف يأخذ دلتا النهر ملامحه قبيل وقوفه على الساحل¿ ولماذا زاوية سقوط الضوء مساوية لزاوية الانكسار¿ ولماذا يبدع الإنسان في عمل يحبه¿.. الإجابة وراء جميع الأسئلة السابقة هي مبدأ الجهد الأقل¡ الجهد الأقل هو الذي يفسر لنا حركة السحاب من مناطق الضغط العالي إلى مناطق الضغط المنخفض¡ وهو الذي يفسر لنا كيف يحافظ المجتمع على تقاليده وعاداته على مدى سنوات عديدة دون تغيير يذكر.
يقول العالم الفيزيائي ماكس بلانك: إن فيزياء اليوم محكومة بالكامل بنظام من المعادلات التفاضلية.. هذا النظام الغني من المعادلات التفاضلية رغم اختلافاتها التفصيلية كونها تصف عمليات ميكانيكية¡ كهربائية¡ مغناطيسية¡ أو حرارية¡ هي اليوم مضمنة بالكامل في نظرية واحدة¡ هي مبدأ الجهد الأقل. إن النهر الذي يتعرج عشوائيا كما يبدو¡ إنما يتبع مخططا يرسمه مبدأ الجهد الأقل مبنيا على الطريق التي تستهلك أقل طاقة للجريان¡ فالنهر يتجنب الطريق التي تحتاج طاقة أكبر مقارنة بمسارات أخرى تطلب طاقة أقل. إن مبدأ الجهد الأقل الذي صاغه الرياضي الفرنسي موباغتشوي في القرن الثامن عشر¡ ثم أعيدت صياغته في القرن التاسع عشر تحت مسمى مبدأ هاملتونº مازال عنصرا مهما في أحدث النظريات الفيزيائية مثل نظرية الحقل الكمومي¡ ورغم وجود الجهد الأقل في أكثر النظريات العلمية تعقيدا إلا أنه موجود في حياتنا اليومية كذلك.
إذا نظرنا إلى المبادئ المؤسسية التي عرضت لها سابقا¡ يأتي الجهد الأقل باعتباره المادة المكونة لها¡ إن تبني الجهد الأقل في مؤسساتنا اليوم يعالج مشكلات كثيرة منشؤها العمل بعيدا عن هذا المبدأ¡ فإذا أعلن مسؤول تولى حديثا منشأة حيوية وطرح استراتيجية جديدة فإنه غالبا ما يخالف مبدأ الجهد الأقل¡ وإذا ردت معاملة بحجة نقص المتطلبات أو وجود أخطاء¡ فإن ردها غالبا يخالف مبدأ الجهد الأقل¡ وإذا استمر اجتماع ساعة أو أكثر¡ فمن المتوقع أن المجتمعين خالفوا الجهد الأقل¡ فمع وجود مفهوم الجهد الأقل حاضرا فإنه يدفع الجميع إلى مراجعة ممارسات العمل لتكون رشيقة¡ متحاشية هدر الطاقة والموارد.
إن الوعي بمبدأ الجهد الأقل كمفهوم تترتب عليه ممارسات تنفيذية توصي بها المؤسسة منتسبيها مصحوبة بأمثلة تطبيقية¡ فمن أوجه تطبيق مفهوم الجهد الأقل هو بناء الأصول وإعادة استخدامها¡ فقد تجد في حالات كثيرة من ينجح في تنفيذ أعمال كبيرة لكنه لا يترك خلفها أصولا يعاد استخدامها عندما يتكرر تنفيذ العمل نفسه مرة أخرى¡ وقد يتولى مسؤول جديد مهمته ولا يلتفت إلى الأصول التي بناها العهد السابق فيفرِّط فيها¡ وربما دمرها بعدم الفهم والإهمال¡ فقد تكون الأصول مادية من أدوات ومعدات¡ وقد تكون أصولا معرفية من مهارات وعلاقات¡ إن وجود المبادئ راسخة في منظومة المؤسسة المعرفية مهم¡ لكن تحويلها إلى ممارسات عملية لا يقل أهمية.




http://www.alriyadh.com/1808984]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]