منذ عقود والعالم يحثّ الخطى لمدّ الجسور وتقريب الفجوات بين أطرافه المتباعدة¡ في سعي دؤوب ومحاولات متتالية لترميم الذاكرة التاريخية والحضارية بين الشعوب¡ وتذويب الخلافات والفروق في عالم محايد جديد. عقب تجارب مريرة ودامية في عصور الغزو والاستعمار والاستتباع.
ولطالما تركت تلك التجارب توجساً من كل محاولات التواصل التالية لحين بدأت أحلام «العولمة» الكونية في التشكل أواخر القرن الماضي¡ وسريعاً ما أخذت في التمدد¡ وبدتْ أهدافها قريبة المنال¡ دانية الحصاد¡ خصوصاً بعد الثورات التقنية المتلاحقة التي جعلت العالم يعيش حقًا في قرية واحدة.
وفجأة وفي ذروة التشكل الناعم لـ «الكوسموبولوتية» الجديدة ظهرت ووهان الصينية لتوقف الإيقاع المتسارع لهذا الحراك الكوني¡ بطريقة دراماتيكية لافتة¡ جعلت أعتى الأجهزة الاستخباراتية ومراكز الدراسات التنبؤية والاستقرائية تتحسس مواضع أقدامها في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة.
فعلى حين غرة تمكن «كورونا» أو كوفيد – 19 من التسلل إلى أدق الخلايا وأكثر الأجهزة البشرية تعقيداً لينسج بينها مكوناته الفيروسية¡ ويتهيأ لشنّ غاراته على أمنع حصون «العولمة» وأكثرها حصانة¡ وخلال وقت وجيز¡ بدأت المدن والعواصم تتساقط واحدة تلو الأخرى¡ في مشهد سريالي لم يطرأ على بال حتى أكثر المؤمنين بأطروحات النهايات الحتمية.
لم يكتف «كورونا» بإغلاق الحدود¡ ولا عزل المدن¡ ولا حتى إخلاء الشوارع والميادين¡ فقطع الأواصر¡ وباعد الأقارب¡ وامتحن الأخلاقيات¡ وعطّل كل مجريات الحياة¡ في معركة شمولية جعلت أحدث الأنظمة السياسية والعقود الاجتماعية موضع مساءلة شعبية¡ بعد أن بدت مترددة ومثقلة بقيود إجرائية أبطأت حراكها في الوقاية والمقاومة.
وفي خضم الأزمة بدأت الأصوات تتعالى¡ والاتهامات تتبادل¡ والوعيد يتزايد¡ وأيًّا يكن المصدر أو المسؤول عمّا حدث ولا يزال¡ يبقى فيروس «كورونا» أكبر التحديات والتهديدات التي تواجه «العولمة» وعلاقة الإنسان بالآخر¡ فلئن كانت التدابير الاحترازية موضع تحدٍّ إداري وأخلاقي¡ فسيكون رفعها والتخفف منها وإعادة المياه إلى مجاريها موضع تحدٍّ مضاعف يجمع ما سبق ببعث الذاكرة المثقلة بالوقائع والثارات¡ إضافة إلى طرح العديد من السيناريوهات القاتمة وما تحمله من أكلاف اقتصادية باهظة¡ وتحديات إجرائية معقدة.




http://www.alriyadh.com/1819949]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]