زيارة رئيس الوزراء العراقي للرياض قبل عدة أيام تشير إلى التقارب الكبير بين العراق والمملكة، وهذا هو الأمر الطبيعي، وعودة العراق للحضن العربي بكل ما تمثله المملكة وما يمثله العراق من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي يتمناه الجميع..
منذ أكثر من خمسة عشر عاما تعرفت على الدكتور صباح عبداللطيف مشتت في أبوظبي في مؤتمر جامعة عجمان للتخطيط العمراني، والبروفسور صباح، وهو أستاذ للعمارة، عرف بقدرته العجيبة على اكتساب مودة الناس وصداقتهم فهو دمث الخلق ويملك عاطفة العراقيين العميقة ولهجتهم المدهشة. ومنذ ذلك اللقاء توطدت علاقتنا المهنية والعلمية وحتى الأسرية، فقد زرته مع الأسرة في مسكنه في مانشستر البريطانية بعد انتقاله لجامعة "ولفرهامبتون" وزارني في المملكة عدة مرات. لقد استمر صباح في إدارة مؤتمر عجمان لسنوات طويلة بعد أن انتقل المؤتمر إلى عجمان وكنت أشارك في هذا اللقاء بشكل منتظم إلى وقت قريب قبل أن يتوقف المؤتمر نهائيا قبل سنوات قليلة. في كل لقاء يكون العراق محور حديثنا وكنت أذكره بلقائي الأول معه ومع الدكتور العراقي الإنسان "فهر حياتي" عميد كلية الهندسة في جامعة عجمان، ففي ذلك اللقاء تجسد لي معدن الإنسان العراقي الأصيل العميق في معرفته والمثير في إنسانيته.
البروفسور صباح مشتت هو الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى مشتت الكاظمي ويعمل كمستشار للتراث الثقافي في مجلس الوزراء، وهو خبير دولي في هذا المجال، وبعث لي مؤخرا عدد من المشروعات الثقافية العملاقة لإعادة إحياء وسط بغداد التاريخية. لقد كان هذا حلم بالنسبة له وطالما تحدثنا عن "العراق العظيم" بحضارته الممتدة وذاكرته التاريخية المغروسة في قلب الثقافة العربية/ الإسلامية فهذا بلد مولّد للحضارة وأبناءه خلّاقون ومبدعون رسمت على جباههم معاناة الدور الحضاري العظيم الذي خلقوا من أجله. لذلك فلا غرو أن أول ما فكر فيه الصديق العزيز وهو يعود إلى قلب العراق أن يحيي هذه الذاكرة التي تعتبر قدر العراقيين جميعا. حديثي معه حتى قبل أيام كان عن هذه الاحلام التي يتمنى أن تصبح واقعاً وأن تساهم في إخراج العراق من مأزقه الحالي كي يلتفت إلى مستقبله الذي وجد، كبلد وكحضارة وكإنسان، من أجل تحقيقه.
زيارة رئيس الوزراء العراقي للرياض قبل عدة أيام تشير إلى التقارب الكبير بين العراق والمملكة، وهذا هو الأمر الطبيعي، وعودة العراق للحضن العربي بكل ما تمثله المملكة وما يمثله العراق من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي يتمناه الجميع. لن أتحدث عما هو مشترك بين السعودية والعراق فلا يتسع المجال لحصر ذلك ولكن دون شك أن البلدين بينهما أواصر وعلاقات قديمة جدا ويصعب فصل تاريخيهما عن بعضهما البعض. وأذكر هنا الدكتور عبدالستار عزاوي، وهو عراقي وكان مسؤولاً عن ترميم المباني التاريخية في الشارقة أسهب في لقاء قديم معه في مطلع الألفية عن الامتدادات الثقافية التي تجمع بين العراق والمملكة، ولأنه متخصص في تاريخ درب زبيدة فقد طلب مني أن يتواصل مع الدكتور سعد الراشد، وقد كان الراشد مسؤولاً في ذلك الوقت عن وكالة الآثار في وزارة المعارف وقال لي إن رسالته للدكتوراة عن الجزء السعودي من درب زبيدة. منذ تلك المقابلة بدأت أتنبه للتقاطعات الثقافية الكبيرة التي تجمع المملكة بدول الجوار خصوصا العراق بحيث لا يمكن كتابة التاريخ دون أن ينظر لهذه البقعة الجغرافية ككيان ثقافي واجتماعي واقتصادي واحد.
تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في العراق يصل حجمه إلى ثلاثة مليارات دولار يشكل نوعاً من الاستعادة للتمازج التاريخي بين العراق والسعودية فبلاد الرافدين يظل بوابة الجزيرة العربية الشمالية ومهداً للحضارات القديمة التي انطلقت بداياتها من قلب جزيرة العرب، كما أنه يشكل بداية لاستعادة العراق للفضاء الذي ينتمي له. زيارة الكاظمي للرياض لن تكون الأخيرة بإذن الله وسيتبعها زيارات على أصعدة متعددة، فالمثقف العراقي وحتى رجل الشارع سعيد بهذه الزيارة ويرى أنها تشكل بداية الحل للمأزق الاقتصادي الذي يعيشه العراق وهو البلد الذي كان يشار له بالبنان على المستوى الاقتصادي منذ سنوات قليلة ويملك موارد طبيعية وبشرية تفوق دولاً عديدة.
في حديثي الأخير مع البروفسور مشتت وعدني بزيارة للمملكة قريبة وستكون زيارة تعمق الترابط الثقافي بين البلدين، وأكد لي أنها زيارة ستعبر عن التقارب المتنامي بين المملكة والعراق لتشكل لبنة مهمة في تطوير العلاقات بين البلدين. فكما أن العراق يشكل عمقا استراتيجيا للمملكة على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي كذلك تمثل المملكة للعراق نفس العمق، وكل خطوة يقترب فيها البلدان من بعضهما البعض ستصب في مصلحة المستقبل العربي دون شك.
http://www.alriyadh.com/1878489]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]