في سياق ما أَقوله دائمًا عن أَن أَيَّ نجاح لا يتحقَّق إِلَّا إِذا قاربناه بحُب، ينطَبق هذا الأَمر على اللغة.
نظْلم اللغة حين نعتبرها أَداةً حياديةً جامدةً للكتابة والإِيصال، أَو مجرَّدَ وسيلةٍ للتعبير مكتوبةٍ أَو محكيةٍ لتَنقل شفويًّا فكرةً للتداوُل، أَو كتابيًّا نصوصًا للقراءَة. فحين نقاربها كذلك نستهين بها، نظْلمها، نستخدمها، لا نراعي فيها تركيبًا، لا نتجنَّب منها تجاوُزًا، لا نحترم لها قاعدة، لا نرتدع عن ارتكاب أَخطاء عند قراءَتها أَو كتابتها ما يؤَدي، حصيلةً، إِلى لغة ممجوجة هجينة لا مَن يدافع عنها فيحميها من دخلاء أَو مستهترين.
أَزعم ذلك وفي بالي لغتُنا العربية التي تتعرَّض يوميًا لتجاوزات لفظية أَو بُنْيَوية تجعلُها فاقدة القواعد، فاقدة الحرمة، فاقدة الأَمان.
اللغة ليست وسيلة بل فضيلة. ومن يعطى فضيلةَ أَن يتكلَّم أَو يكتب بالعربية عليه احترام هذه الفضيلة ومقاربتها بكل حُب. وكلُّ ما نقاربه بِـحُب، نراعيه، نحترمه، نقدِّر شأْنه، نتهيَّب الاستهانة به، حتى ليصبح من المقدَّسات.
العربيةُ، هذه اللغةُ الرائعة الفريدة، تتعرَّض اليوم لموجة سافرة من الاضطراب في كتابتها وقراءَتها، وفي كلْتَيهما تجاوزاتٌ تشكِّل خطرًا لا عليها بل على كل لسان ينطق بها قارئًا أَو يكتب بها نصًا. هذا الخطر ناجم عن مصدَرَين رئيسَين: التدريس والإِعلام.
حين يدرِّس اللغةَ مَن ليس متمكنًا منها، لا يمكن أَن يخَرِّج جيلًا سليمًا بل يُسيْءُ إِلى هذا الجيل حين لا يصوِّب الخطأَ أَو يشير إِليه. وحين يشاهد الملايينُ شاشةً يطلُّ منها صوتٌ يُخْطئُ في القراءة أَو المحادثة أَو التعليق، فهو يصيب الخطأَ ولا مَن يصوِّبه له. والجماهير إِجمالًا تتعمَّم عليها لغةُ الإِعلام ونادرًا ما تتنبَّه إِلى ما يسمَّى تخفيفًا "الأَخطاء الشائعة"، وهي حجَّة مؤْذية أَن يسري في شرايين اللغة خطأٌ شائع حتى يصبح قاعدة أَو دُرْجَة.
وكما المسؤُول في مطبوعة (صحيفة يومية أَو مجلة أُسبوعية أَو موقع إِلكتروني) يصوِّب أَخطاء الكتابة فيَصدُر النص خاليًا من الانتهاكات، كذا على وسائل الإِعلام، مرئيِّها والمسموع، أَن يكون لديها مسؤُول يصحِّح الخطأَ اللغوي أَو يشكِّل النص حتى يَصدر على المتلقِّين سليمًا فلا يوقِعُهم في دُرْجة "أَخطاء شائعة" تؤْذي اللغة وتدَمِّر قواعدها حتى إِيقاعها في فوضى قاصمة.
وكما على الطبيب أَن يتَّبع قواعد الطب كي لا يتسبَّب بأَذى المريض، وعلى المهندس أَن يتَّبع قواعد الهندسة كي لا يتسبَّب بانهيار المبنى، كذا على الإِعلام أَن يتَّبع قواعد اللغة كي لا يتسبَّب بتسميمها وتعميم أَخطائها، وهو الخطر الأَقصى على بُنْيَة اللسان.
http://www.alriyadh.com/1888820]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]