سألت نفسي ذات مساء، عندما عمت موجة الهلع من تداعيات "كورونا" لتلزم الأغلبية بالحجر المنزلي، بعيداً عن الالتقاء المباشر بالأهل والخلان؛ سألت: لو كنت لا تقرأ ولا تكتب ولا تذهب إلى المقاهي والمطاعم، ولست من هواة تبادل الحديث أو المناكفة، التي تعوّد عليها بعض الأزواج مع زوجاتهم؛ لو كنت خلواً من كل تلك النقاط أو أبواب شغل الوقت؛ ماذا تفعل بهذا الفراغ الكبير، الذي تعيشه منذ شهور دون تلوح بادرة انفراج في الأفق؟ كان في بالي أن أقول توديع الدنيا، أو المكوث في سجن أرحم، من فراغ لا نهاية له؛ لكنني حمدت الله واستغفرته لذنبي؛ عندما رأيت أن حركة الناس خلال هذه الجائحة، لم تتوقف لحظة، في بعض المناشط؛ بل زادت عما كانت عليه، فنحن الآن نشهد تدافعاً منقطع النظير، على محلات الوجبات الجاهزة، وعلى المطاعم الفاخرة، حتى بدا، وكأن النساء توقفن، رغم حبسة المنازل، عن تجهيز الوجبات الحلوة والمالحة في منازلهن. وزاد الإقبال كذلك على دور السينما الوليدة، فأصبحت عروضها ممتدة وبإقبال منقطع النظير ومعها زاد الإقبال على دور الملاهي، أما المقاهي العصرية التي تقدم ألواناً من القهوة والشاي والمعجنات؛ فقد أصبحت في كل زاوية؛ بل إن بعضها أصبح يقدم ألواناً من الموسيقى؛ وكأن هذا الإقبال معادل موضوعي للبوار الذي أصاب عديداً من المناشط، أبرزها محلات الإكسسوارات والملابس الجاهزة والأحذية والإلكترونيات والأجهزة المنزلية حتى المكتبات، معروضات تلك المحلات باتت الآن تصلنا في منازلنا، وبأيسر الطرق والأسعار؛ بل إن أي قطعة لا تصادف هوى طالبها، من حق من وصلته إعادتها أو استبدالها بيسر وسهولة وعلى حساب البائع؛ أما محلات الخدمات الطلابية فقد شرع بعضها في الرحيل على مهل بعد تقلص جدواها، وحلول الكمبيوتر محلها، ولن يمضي طويل وقت إلا ويكون الورق وخدماته من الماضي! ونتيجة لهذا الفراغ الكبير أصبحت شهوة بعض الكتاب مفتوحة، حتى أن بعضهم صار ينتج كتابين وثلاثة في العام، وهناك الآن طبقة جديدة من الكتاب تشبه مقاولي الأنفار، هم على استعد لاستشراف مستقبل أي داء أو أزمة، وقد أخرج لنا هؤلاء الكتاب روايات وقصصاً وأشعاراً عن مسيرة داء "الكورونا" حول العالم! لكن يظل السؤال، يدور في الأذهان حول الأثر الذي تركته وسوف تتركه مثل هذه الآفات العابرة للقارات على نفوس الناس العاديين وأعمالهم ونمطهم الحياتي مستقبلاً، خاصة وأن البراقع الآن شملت النساء والرجال، كما شملهم الحرص في كافة اللقاءات التي أصبحت تتم في أضيق نطاق، وشملهم الفراغ أو البطالة المباشرة والمقنعة، والهم الأكبر الجديد حط على هواة السفر متمثلاً في خوفهم من اتخاذ قرار السفر إلى خارج الحدود؛ حيث لن تدري وأنت هناك من أين تأتيك الضربة، من الشارع أو المطعم أو دار السينما أو التاكسي أو الأصدقاء الذين تعودت في كل لقاء أخذهم بالأحضان!
http://www.alriyadh.com/1891544]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]