الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثير هو محاولة فهم المؤسسة من منظور الهيكلة، ومنظور الهيكلة مهم، إنما يعطي صورة منقوصة إذا اعتمدت دون غيرها، وقد اختلفت مناظير المؤسسة حسب المنهجيات التي تطرح لتمثيلها، وإذا اعتمدت أي من هذه المنهجيات فهي أفضل من الاتكال على الهيكلة وحدها، وتتفق هذه المنهجيات مع اختلافها على أهمية الاستراتيجية، فكيف تقرأ المؤسسة من منظور الاستراتيجية؟
المسألة الأولى قبل البدء بالاستراتيجية هو الإدراك أنها ليست هي نفسها الموصوفة في الخطة بكل أهدافها ومستهدفاتها ومبادراتها، ففي كل مؤسسة مهما آمنت بالعمل المؤسسي، فهي لا بد أن تنحرف عن الخط المرسوم لها إلا ما ندر، فقبل الاطمئنان إلى الاستراتيجية لا بد من تقويم أدوات تنفيذها، بحثا عن أدلة تفيد بمراجعتها دوريا ومراجعة مبادراتها ومخرجاتها.
إذا تأكدنا من جودة الاستراتيجية، فيجب النظر إلى المسألة الأخرى، وهي أثرها على المؤسسة، فقد تطبق الاستراتيجية جيدا، إنما قد نجد تأثيرها محدودا في المبادرات التي تنفذ لتحقيقها. وهذا الأمر ملاحظ في المؤسسات التي تبدأ متأخرة في تطبيق الاستراتيجية بالمفهوم الحديث، حيث تضاف الاستراتيجية إلى المؤسسة كما لو كانت قطعة إضافية تركب في هيكلتها لا باعتبارها حاكمة على جمع أعمالها.
إذا كان أثر الاستراتيجية محدودا، كأن تجد المؤشرات التي تقيس الاستراتيجية استثنت الإدارات المساندة مثل المالية والموارد البشرية، فهذا يعني وجود استراتيجية أخرى موازية ينفذها الرئيس التنفيذي دون أن تدون في وسيلة رسمية، ومن الممكن للمؤسسة أن تدار دون رؤية مستقبلية لأجهزتها المساندة وبما لا يتوافق مع الاستراتيجية التي تنفذها، من هنا على دارس المؤسسة أن يفك شفرة القرارات التي اتخذت، إن كان ثمة قرارات تذكر، لفهم التوجه الاستراتيجي المطبق واقعيا.
بحثا عن التوجه الاستراتيجي الذي تتبناه المؤسسة، سواء كان مدونا في وثيقة أو غير مدون، على الباحث أن يجد ما يستطيع من معلومات عن الموارد المالية والبشرية ومعلومات عن آليات التنفيذ من أدوات وعمليات، إضافة إلى توزيع هذه الموارد والآليات على الهيكل الإداري، هل يتناسب حجم الموارد مع آليات التنفيذ؟ هل يتركز العمل في يد فئة تشكو نقص الموارد، بينما تتركز الموارد في فئة أخرى لا تنفذ أعمالا تذكر؟ رغم بداهة هذه الأسئلة لكن في خضم ضباب العمل اليومي فإنها تغيب عن الأذهان كثيرا.
بعد المرور بكل ما ذكر، تتضح لدى متخذ القرار خريطة لواقع المؤسسة بناء على ما خطط لها أو ما لم يخطط، فإما أن المؤسسة تعمل باستراتيجية محكمة وكل قراراتها تتخذ بناء عليها، أو معظم القرارات تتخذ بناء على رد فعل لمجريات الأمور، تقاذف المؤسسة الأحداث الداخلية والخارجية؛ وبين الحالتين تتباين المستويات.
ومهما يكن الأمر، فإن فهم المؤسسة ينبع من فهم القرارات التي اتخذت منذ إنشائها، وهل المؤسسة شيء آخر غير قراراتها؟.
http://www.alriyadh.com/1891792]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]