الحوار مع الآخر المختلف مع الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية لا يتعارض مع التعاليم الإسلامية وليس في ذلك أي تنازل عن مبدأ عقدي، وفي ذلك تحقيق لمعنى التعارف، وفي هذه الحالة يكون الحوار ضرورة شرعية لنشر رسالة الإسلام..
أحاول في هذه القراءة العلمية أن أتناول أحد الموضوعات الكبيرة بالنقاش، وهو موضوع الحوار الديني، وهو موضوع علمي كبير ومتداخل، وقد تناوله المشتغلون بالتاريخ الديني قديماً وحديثاً، كما تطرقت له الدراسات الدينية المقارنة وعلم الاجتماع الديني والثقافي.
وكان من بين الذين تناولوا موضوع "الحوار الديني" الدكتور محمد الفاضل بن علي اللافي أستاذ مادة العقيدة ومقارنة الأديان بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، وذلك من خلال كتابه "تأصيل الحوار الديني".
فقد كان الباعث لتأليف هذا الكتاب على حد قول الدكتور اللافي أنه أثناء إقامته في الغرب وتدريسه مادة العقيدة والأديان المقارنة، لاحظ نقصاً وخللاً كبيراً في طريقة طرح قضايا الدين والاعتقاد من حيث التعريف والمضمون، خاصة عند عقد ملتقيات الجامعة بين مختلف أصحاب الملل والنحل، فتغيب الحقيقة العلمية وتطغى المجاملة والنزعة التوفيقية التي بدأت تظهر أخيراً في إطار حوار الأديان كنقطة التقاء بين الفرقاء الدينيين.
لقد تعددت الهيئات الإقليمية والدولية الراعية للحوارات الدينية تنظيماً ومشاركة ودعوة، إلا أنها وإن اتفقت جميعاً على مبدأ الحوار فإنها تختلف كثيراً من حيث طبيعتها وأهدافها وغاياتها.
لذلك يجب التعرف على كل هذه الهيئات والمؤسسات الدينية والمذهبية، فبعض تلك الهيئات وجد لتنشيط بؤر الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية في المجتمعات، فقد تبنى أحد مؤتمرات الحوار هجوماً على ما يعرف "بالأصولية الإسلامية" بما يخدم مصالح دولية محددة وإرباك لسياسات بعض الدول الإسلامية.
وإن كانت بعض هيئات الحوار اختارت مواجهة تياري العلمانية والليبرالية لتهديدهما الثوابت الدينية والمكونات المجتمعية كما يحدث في مؤتمرات السكان.
لذلك فمن الحصافة البحث عن سند شرعي ومرجعية دينية ثابتة عند التعرض لموضوعات دينية حساسة باعتبارها ثوابت لا يمكن المساس بها، وما عدا ذلك أرضية خصبة للتحاور والتفاهم الجاد.
ولذلك فإن الحوار والجدل لم يتحركا في الفكر الإسلامي ليكونا فناً قائماً بذاته، كما نراه في الطريقة الفكرية التي أرادها أفلاطون، وإنما الهدف من الحوار والجدل في الفكر الإسلامي الوصول إلى الحق.
فالحوار الديني لا بد أن يكون مرتبطاً في قواعده النظرية التأسيسية بالبعد العقدي الذي يجعل من الحوار رسالة لا مجرد وظيفة إدارية أو قيمة سياسية، أما إذا كان التحاور في سبيل التعارف والتعايش والتقارب بين المجتمعات الإنسانية بما يثري الحياة العامة فإنه يعد عملاً إيجابياً.
فالحوار يوفر مطلب التعايش والتعارف مع الاحتفاظ بالخصوصية والتأكيد على المشترك من المبادئ المسيرة لحركة الإنسانية، فتواصل الناس على اختلاف دينهم وعرقهم بما يفيدهم في حياتهم ويضمن لهم العيش المشترك يعتبر من مقاصد الإسلام في تحقيق التعارف والتواصي بالحق والعدل وعلى هذا الأساس يمكن الانفتاح على الغير.
فالحوار مع الآخر المختلف مع الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية لا يتعارض مع التعاليم الإسلامية وليس في ذلك أي تنازل عن مبدأ عقدي، وفي ذلك تحقيق لمعنى التعارف، وفي هذه الحالة يكون الحوار ضرورة شرعية لنشر رسالة الإسلام، وضرورة عملية يفرضها الواقع العالمي القائم على الاتصال والتفاعل والقواسم المشتركة بين المجتمعات الإنسانية والانفتاح على التجارب الإنسانية.
فالحوار الحضاري جزء من فهم نصوص الدين للانفتاح على الآخر بكل منطلقاته النظرية باعتبارنا أصحاب رسالة، فمسالك الحوار تبنى على التقريب بين وجهات النظر على أساس نقاش هادئ يفصل في المشترك ويتجاوز المختلف فيه.
فحوار الثقافات جزء من استراتيجية متكاملة تدفع نحو إعادة صياغة علاقات حضارية، والاطلاع العميق على الآخر لمعرفته عن قرب، وتوثيق الروابط عبر التعارف، لأن الانغلاق والانكفاء يؤديان إلى التوتر والحذر والاحتياط من الآخر.. فالاطلاع المتبادل على فكر الآخر ومعرفة خصائصه بحثًا عن قاعدة التعايش السلمي الذي يختزله النص القرآني في مصطلح التعارف، يؤكدان على سماحة الإسلام ورفقه بالآخرين.




http://www.alriyadh.com/1902173]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]