في الفيلم الرائع Modigliani الذي يتناول حياة الفنان الإيطالي أميديو موديلياني تظهر العديد من المشاهد التي تجمع بابلو بيكاسو وموديلياني وعددا كبيرا من الفنانين في مقهى شهير بباريس تتوسطه لوحة مكتوب عليها "صالون الفنانين"، الفيلم يستعرض جانبا من حياة الفنانين في العقد الثاني من القرن العشرين، تلك الحقبة التي شهدت سطوع عدد من الأسماء الفنية اللامعة.
ما يعنيني من ذلك الفيلم هنا هو الارتباط الكبير بين ازدهار الإبداع في مجتمع ما، وتوفر أماكن تجمع أصحاب الاهتمامات المشتركة؛ ولطالما اختار الفنانون والأدباء والفلاسفة والكتاب وغيرهم من المبدعين الالتقاء في مكان يتبادلون فيه الأفكار، ويعرضون آخر أعمالهم وتحرضهم منافسة الأقران على استكشاف المزيد من مساحات الإبداع لديهم، وفي الغالب كانت المقاهي هي الخيار الأقرب لاحتضان مثل تلك التجمعات، كما كان الحال في مقهى "الحرافيش" في القاهرة الذي ألهم نجيب محفوظ لكتابة رواية تحمل ذات الاسم، ومقهى "الخفافين" في بغداد الذي كان يقصده معروف الرصافي، وغيرها من المقاهي والمنتديات العامة التي تجمع المبدعين في أغلب المدن العريقة حول العالم.
"هيئة الأدب والنشر والترجمة" التابعة لوزارة الثقافة أطلقت برنامجا لدعم التجمعات الأدبية في المقاهي أسمته برنامج "الشريك الأدبي"، تهدف من خلاله إلى تكوين بيئة يتبادل من خلالها المبدعون اهتماماتهم وتشكيل نواة تحرك طاقة الإبداع في المجتمع. فكرة البرنامج رائعة، وقابلة للتطوير في حال نجاحها. وما أقصده هنا بالتطوير هو ألا تقتصر تلك المبادرة على عدد من المقاهي، وإنما من الممكن تخصيص مجمعات في كل مدينة تعنى بالإبداع، من الممكن مثلا تجهيز أحد الشوارع ليحتضن مسارح ومقاهيَ أدبية، ومحلات لبيع الأدوات الفنية، وورش عمل ومكتبات، واستعراضات لفناني الشوارع وغيرها، ويأخذ تصميمه طابعا فنيا خلاقا يضيف مسحة جمالية على المدينة، ويصبح مقصدا لعشاق الفنون والآداب والفكر والثقافة.
وزارة الثقافة تحمل الكثير من المبادرات الرائعة التي بدأت بالفعل في العمل عليها وتفعيلها، وأعتقد أن مثل هذه المبادرة ستضيف الكثير لأجندتها، خصوصا أن الناس تتفاعل بشكل كبير مع تلك المبادرات التي تقترب منهم ويلمسون تأثيرها في الشوارع والميادين العامة.




http://www.alriyadh.com/1904577]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]