إن مبادرة مثل مبادرة "المدارس السعيدة" لها أهمية كبيرة ومؤثرة على مستوى تطوير التعليم المحلي لكن المبادرة لم تظهر بقوة، رغم أنها بدأت منذ سبع سنوات. ويبدو السؤال هنا: إلى أي مدى يفترض أن تتكامل المبادرات الفردية والمحلية مع مبادرات اليونسكو؟ وأي مدى يفترض أن يتلقف بعض المبادرين مثل هذه الأفكار ويعملوا على تحويلها؟..
خلال الأسبوع الفائت كان لدي فرصة لعقد عدة اجتماعات وحضور بعض المناسبات في مقر اليونسكو في باريس، وأولى تلك المناسبات هو حفل استقبال إطلاق جائزة اليونسكو عبدالله الفوزان الدولية لتشجيع العلماء الشباب في مجال العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (ستيم)، ولأن هذه الجائزة تتقاطع بعمق مع التعليم وإشكالاته العالمية؛ لذلك عقدنا اجتماعاً مع قطاع التعليم في المنظمة، والتقينا بالسيد "جوانج شول تشانغ" رئيس قطاع سياسات التعليم ومعه سيدة سعودية تعمل في القطاع هي الأستاذة سارة بن محفوظ، ويبدو أن هذا القسم مسؤول عن برامج ومبادرات لافتة للنظر. ولعل أكثر ما لفت نظري هي مبادرة "المدارس السعيدة"، التي بدأت من سبع سنوات، وسيتم تنظيم مؤتمر حولها في يوم السعادة العالمي (20 مارس 2022م).
ما لفت نظري أكثر هو البحث عن "السعادة"، فقبل عدة سنوات الكاتب الكندي "مونتغمري" كتب كتاباً اشتهر حول العالم بسرعة شديدة أسماه "المدينة السعيدة"، وأسس مركزاً بالاسم نفسه، وقد قدم محاضرة في مؤتمر عجمان للتخطيط العمراني قبل عدة سنوات وكان عنوان المؤتمر كذلك "المدن السعيدة والمتسامحة". لقد قاطعت السيد "تشانغ" عندما ذكر لي "المدارس السعيدة"، وسألته: هذا يعني أنه توجد مدارس غير سعيدة، والأكثر خطورة هو أن ثقافة التعليم لم تكن تحقق مفهوم السعادة لذلك تحول هذا المصطلح إلى مبادرة تتبناها اليونسكو على مستوى العالم. هذا يعني أننا نحتاج أن نفكر في التعليم من منظور آخر كلياً، وهذا ما سألته الأستاذة بن محفوظ.
ويبدو أن الأستاذة بن محفوظ كانت مستعدة لهذا السؤال، فما المدارس السعيدة؟ وكيف يمكن أن تتحقق؟ ومن الواضح أن قيام قسم سياسات التعليم في اليونسكو بتطوير إطار عملي واضح أو لنقل شبه واضح يمكن أن يحقق المدارس السعيدة مثل الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف، هذا كان تعليق بن محفوظ، حيث أكدت على ثلاثة أركان لتحقيق هذه الفكرة وهي: الناس والإجراءات والمكان. والفكرة هي في خلق الروابط التي يتمكن بها الطلاب وحتى المعلم مشاركة المجتمع وليس أن يكون عالمهم هو المدرسة فقط، بينما الإجراءات تبحث في الكيفية التي يمكن أن نحقق بها هذه المشاركة، وأخيراً المكان وهو البيئة التعليمية المادية، أي المبنى المدرسي.
ذكرت للجميع تجربة أبنائي في منتصف التسعينات في مدرسة "كنغستون بارك" الابتدائية في نيوكاسل، وكيف أنها كانت أشبه بمتنزه المغامرات وليست مدرسة، وذكرت كذلك أستاذ اللغة الإنجليزية في غزة الذي صار يلبس زي المهرج ويعلم طلابه من خلال اللعب. ويبدو أن هذه المحاولات الفردية وجهت الأنظار بشدة إلى الحاجة لتطوير مبادرة المدارس السعيدة.
اليونسكو كمنظمة عالمية لها تأثير في دول كثيرة على مستوى العالم يمكن أن تصنع تغييراً حقيقياً على مستوى التعليم والعلوم والثقافة، بل وتستطيع أن تنقل مبادراتها من حيز الأفكار إلى حيز التطبيق، رغم أن الحركة في المنظمة تتطلب وقتاً وتمر عبر قنوات بيروقراطية كثيرة.
في اعتقادي أن مبادرة مثل مبادرة "المدارس السعيدة" لها أهمية كبيرة ومؤثرة على مستوى تطوير التعليم المحلي لكن المبادرة لم تظهر بقوة، رغم أنها بدأت منذ سبع سنوات. ويبدو السؤال هنا: إلى أي مدى يفترض أن تتكامل المبادرات الفردية والمحلية مع مبادرات اليونسكو؟ وأي مدى يفترض أن يتلقف بعض المبادرين مثل هذه الأفكار ويعملوا على تحويلها؟ ربما يحتاج هذا كذلك إلى إعادة النظر في سياسات التعليم المحلية في كثير من دول العالم، فخلق بيئة مدرسية سعيدة بمواصفات اليونسكو تتطلب تغييراً في التفكير على مستوى فلسفة التعليم وسياسته.
ما تبادر في ذهني عند نهاية الاجتماعات في اليونسكو وقبل كتابة هذا المقال بعدة ساعات هو: هل من الممكن خلق مدارس سعيدة لدينا؟ ورغم أنني حتى الآن لم أستوعب معنى السعادة المدرسية بشكل دقيق، إلا أن هذا التساؤل جرني إلى التفكير في الكثير من التفاصيل التي أعتقد أن البيئة المدرسية لدينا تحتاج إعادة التفكير فيها سواء على مستوى فهم الشراكة المجتمعية أو تطوير الإجراءات ومرونتها أو حتى البيئة المدرسية المادية، وهي الأركان الثلاثة التي حددتها اليونسكو لخلق مدرسة سعيدة، وبالطبع من يقود المدرسة ومن يعلم فيها على رأس الأولويات في تحقيق السعادة المدرسية.




http://www.alriyadh.com/1922045]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]