يرى أفلاطون أن العالم الحقيقي هو عالم المثل، والمثالي هو المجرد، وأن النفس هي السبيل الوحيد للوصول إلى العالم الحقيقي المثالي لأنها خالدة، ومجردة من المادة، لكن النفس تتصل بالجسد فتفسد وتصبح غير مجردة، فلابد لها من الجمال كي تعود للاتصال بعالم المثل.
هذا الرأي هو تأسيس أولي للمثالية، ثم استمرت هذه الفكرة سارية حتى يومنا هذا لكن بطرق مختلفة. عند تأمل واقعنا نجد أن الإنسان المعاصر قد أغرق نفسه بكثير من التنظير، وقليل من التطبيق، أو بعبارة أشد دقة ووصف للمشهد؛ كثير من التنظير وقليل من التطبيق لهذا التنظير، فهو يطبق ما لا يؤمن به! وهذا أحدث عنده نوعاً من التنافر الإدراكي الذي جعله قلقًا متشككًا في كثير من البدهيات الراسخة عبر قرون من الزمان.
هذه الحالة تخفي وراءها ألمًا اختلط بخوف، فهو ألم من عدم الاعتراف به من الآخر، وهذه المعضلة تولد عند الإنسان خوفًا من عالمه الذي أصبح فيه منفردًا بذاته، وتصعب حالته بسبب جهله بذاته وعدم معرفته بقدراته الشخصية فيبقى رهين المحبسين؛ الجهل، والخوف! وفق ذلك؛ يصعب التوفيق بين اللذة والمثالية المفرطة، وهذا عائد للثقافة التي تنتج برزخاً بينهما لا يبغيان، واللذة - كما عند أبيقور - هي خلاص الجسم من الألم، والنفس من الخوف، وهذه التي يسميها الأتاراكسيا؛ وهي التي تقوم على التفكير الراجح وحسن الاختيار، وهذا التعريف يجعلنا أمام تصور مبدع للجمع بين التنظير والتطبيق، فلا يكون الإنسان مفارقًا لواقعه بسبب خوفه من الوعي الجمعي، بل تكون لذته نابعة من المسموح به اجتماعياً ومدون في العقد الاجتماعي، وهذا لا يكون إلا بتعدد التصورات وتنوعاتها الذهنية التي تتشكل المثالية منها، فيصبح المجتمع جامعاً لجميع الاختلافات المتنوعة لا المتضادة.
فالتضاد لا يكون إلا في البُنية لا في النتائج، وهذا يقودنا إلى أهمية الاتفاق على بُنية اجتماعية تضم الجميع ولا تطرد أحدًا من أفرادها، فتكون بمثابة المظلة التي تعم الجميع بظلالها.
يبدو أن تساؤلًا ملحًا سيطرأ بعد ما سبق؛ كيف يمكن الجمع بين الرأي الفردي، والقاعدة الجمعية؟




http://www.alriyadh.com/1923312]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]