(ياما جددت الأماني في غيابك) هذه حقيقة لا تنفك عن الأماني فهي لا تموت ولكن تتخاذل أو ربما نحن من يخذلها فتفقد توازنها ويصيبنا نحن الارتباك خوفاً عليها وكأننا لم نخف منها فنسارع لتجديدها لا أدري إن كان حنواً عليها أو على أنفسنا فالمهم أن تبقى بالقرب فنحن من يحتاجها.
عندما يقترب أحدهم من شمعة ذكرى ميلاده يقول له من حوله: تمنى أمنية، فيغمض عينيه ويتمتم في قلبه بأمنية ما ثم ينفخ الهواء من فمه باتجاه الشمعة ليطفئها. وماذا بعد؟ تظل الأمنية عالقة بين السماء والأرض بحبل الأمل والرجاء من الله ليحققها وفي هذا الوقت يترك للحضور حرية تذوق كعكة الميلاد ليتذوق هو حلاوة الأمنية التي أسرها في نفسه تفاؤلاً بتحققها في عامه الجديد.
الأماني تعرف طريقها إلى القلوب منذ الصغر يكبر المرء وتكبر أمنياته وتتغير وتتلون ويصير لها بريق يضيء كل ليلة تلك العتمة التي تحيط بوسادته. وماذا بعد؟ تترك الأماني جانباً وينام صاحبها على أمل أن تزهر تلك الأمنيات في يوم ما.
أمنية بعد أمنية تتزاحم وتتراكم في القلوب بعضها لنا وبعضها لمن نحب. أمنيات صغنا كلماتها ورفعناها إلى الله كدعاء يحفه الابتهال والرجاء.
أمنيات ننسى بعضها وبعضها لا ينسانا ويظل يلح حتى ولو تغيرت وأصبحت كالأزهار المجففة التي بهتت ألوانها وتغيرت نعومتها وتحولت إلى هشاشة يخشى عليها من الانكسار ولكنها ما زالت متماسكة تحتفظ بشكلها الأول. وماذا بعد؟ تبقى أمنيات معتقة ومعلقة على أرجوحة الزمن.
بعض الأماني التي احتفوا بها في ذكرى الميلاد أو غيره تحققت بشكل مختلف أجمل أو أقل جمالاً مما يرجى والعجيب أن تحققها بشكل آخر ما يسعد القلب إلا أن الأولى تحتفظ بمكانها على قائمة الانتظار، وبعضها تحول إلى ما يشبه الغصة التي لا تخرج ولا يفلح صاحبها في دفعها إلى مسار آخر حتى ولو كان نسيها. وبعضها سهل وجميل وقريب فنستطيع أن نملكها على سبيل التحقق ولكنها قد تؤجل أو يُتنكر لها من أجل الآخرين الذين هم بدورهم لهم أمانيهم فينا! وماذا بعد؟ ستبدو الأمنيات المشتركة كسلسال ذهبي ناعم له فعل القيد فأنت جزء من أمنياته وهو جزء من أمنياتك.
يقول الحلاج:
عجبت منك ومني
يا منية المتمني
أدنيتني منك حتى
ظننت أنك أني
وإن تمنيت شيئاً
فأنت كل التمني !
وماذا بعد؟ ما الذي يمكن أن يقال عن حب كالقيد يعتق الأماني ويجددها فلا هي تزول ولاهو ينفك.
بعض أمانينا الصغيرة جداً والبسيطة جداً والبشرية جداً تشبه الأماني المستحيلة دينياً في استحالتها مع فارق التشبيه!
وكأن فاروق جويدة حين سأل قائلاً: وكيف يعيش مذهول الأماني؟ كان يقصد هذه الشبكة المعقدة من الأماني المزدوجة المقسومة بين مانريد وما نحب.
الأماني زاد للقلوب حتى وإن بقيت على قائمة الانتظار طويلاً فانتظارها عناء محبب وكأنها حلية تزين جيد الأمل.
ويقول الغريب بلسان محمد عبده:
(ياما جددت الأماني في غيابك) هذه حقيقة لا تنفك عن الأماني فهي لا تموت ولكن تتخاذل أو ربما نحن من يخذلها فتفقد توازنها ويصيبنا نحن الارتباك خوفاً عليها وكأننا لم نخف منها فنسارع لتجديدها لا أدري إن كان حنواً عليها أو على أنفسنا فالمهم أن تبقى بالقرب فنحن من يحتاجها.
وماذا بعد؟ تلك أمنياتنا المقربة الخاصة ولكن لنا أيضاً أمنيات عامة للعالم السلام والحب والوضوح والصدق والنور والعطاء والراحة للأرواح المرهقة وابتسامات تملأ القلوب المتعبة وتزين الوجوه المقطبة. ياه ما أكثرها تلك الأماني فاحتفظوا بأمانيكم وجددوها مرة بعد مره وانعشوها بالدعاء، فهو الطريق الآمن.




http://www.alriyadh.com/1940233]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]