صنف الإبداع بعدد من الأوجه وكيفية حدوثه وإتيانه، فهي القدرة على تكوين وإنشاء أو دمج صيغ مألوفة ومتفقة بشكل جديد ومغاير عما كان عليه دون حدوث تغيير في التركيب الأساسي أو التأثير فيه بشكل سلبي بشرط إضافة جمالية يستحسن فعله، وقد تكون تعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة.. كما حدث في عالم الفن والموسيقى والغناء عام "1964" في فاصل تطريبي، عندما خرج العازف الماهر" سيد سالم" عازف الناي الشهير في فرقة كوكب الشرق أم كلثوم.. بـ"صولو" عن النص أو "النوتة الموسيقية" لأغنية "بعيد عنك" كلمات مأمون الشناوي وألحان بليغ حمدي، والمعدة مسبقاً وفق لحن ثابت ونهائي، رغم أنه تم التدريب عليها أكثر من أربعين مرة في سلسلة بروفات تسبق يوم الحفل الرسمي، لكنه رغم هذا الخروج غير المرتب إلا أنه خطف الإعجاب على هذه "العوربة" الارتجالية وبدهشة الجميع وفي مقدمتهم السيدة أم كلثوم التي التفتت بعفوية وعلقت متسائلة على الفور بقولها "إيه دا"؟ وسط تحية إعجاب الجمهور الغفير.
أذكر هذه الحادثة لهذا العازف المبدع، بينما أجد في ثنايا مفكرة الإبداع والمبدعين الكثير ممن يخطفون الإعجاب بشكل عفوي ومن خلال لحظات سريعة عابرة لم يتم الإعداد لها سلفاً، لأن الحالة الإبداعية تأتي دون مقدمات، سواء كانت معزوفة أو كلمة أو غناء أو كل ما يندرج في إطار الإبداع الفني. وأحياناً يأتي المبدع بالخروج عن النص بشكل فكاهي كما فعل فنان العرب محمد عبده في أحد أعماله الغنائية وهو يؤديها على المسرح، حينما صعبت عليه القراءة بسبب صغر حجم الخط المكتوب لكلمات الأغنية التي يغنيها أمامه.. لكنه تجاوزها بطريقة إبداعية وأفصح عن ذلك في سياق الأغنية واللحن بقوله: "ما أقدر أقرأ آه ..آه .." مما نال إعجاب الجمهور الذي تفاعل معه بالتحية والتصفيق.
وهناك العديد من الحالات الإبداعية التي صادفناها بمحض الصدفة، وربما تتفق جلها عند خروجها عن "النص" أو السياق المألوف.
وهنا أنا لا أدعو إلى التأييد إلى الخروج عن المألوف كلياً عن المواضيع عامة فهناك أمور لا تقبل ذلك بطبيعة الحال بل ويجرم فاعلها ولا أقول التقييد بالنص شيء غير جيد أو أنه يحد ولا يحفز على الإبداع، ولكن غالباً ارتبطت بالمصادفة وهي حالة قد تكون مزاجية وتتناسب مع أجواء خاصة وتهيئة مناسبة.




http://www.alriyadh.com/1963566]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]