بين عشية وضحاها أصبح التقليد مزية يدللونها ويسمونها (الهبة) بمعنى أن الناس تهب في استخدام شيء ما لمجرد السير في الطريق الذي سار فيه من حوله حتى ولو كان هذا الشيء لا يعجبه! لقد وصل الأمر إلى مأكلهم ومشربهم وأخضعوه للهبة!
ما الذي حدث للتميز؟ لم نعد نسمع به إلا عند فئة من الناس بعضهم مشغول بنجاحاته المميزة، وبعضهم يمارس حياته وهو يربأ بها عن التهافت على كل غثاء تبثه شاشات الأجهزة وبرامجها فئة مشبعة بثقتها بنفسها وما لديها وتعمل عقلها فيما تتعامل معه وتعرف ما تريد وما لا تريد، أما على النطاق الاجتماعي الأوسع والأكثر إعلاناً عن نفسه فالتميز غائب والحاضر هو التقليد الممقوت، نعم، فليس كل تقليد سيئ فهو أحياناً وسيلة من وسائل التعلم وبخاصة عند الأطفال فهم يقلدون؛ لأنهم لا يملكون الخبرة ولا المعلومة، ولكنهم بعد حين تصبح لديهم تجاربهم الخاصة التي تعلموا منها وبالتالي تنمو لديهم قدرة التجديد والتميز ثم يمر بمرحلة المراهقة وهي مرحلة تتطلب المراقبة الذاتية والغيرية حتى تتوجه أفكاره إلى الوجهة الصحيحة فيعي دوره ورغباته وما يمكن وما لا يمكن وبخاصة في هذا الزمن الذي صارت نتيجة التقليد هي تحول كثير من الناس إلى نسخ متشابهة بسبب شدة انسياقهم في تقليد الآخرين والخوف من أن يكون اختلافهم ينقص من قدرهم أمام غيرهم! وعند هؤلاء يكون التقليد قد وصل بهم إلى حالة مَرَضية فهم لا يقبلون ذواتهم إلا عندما يقلدون الآخرين في تصرفاتهم وملابسهم ومقتنياتهم، وهذا يشير إلى حالة الخوف التي تتلبسهم إذا لم يفعلوا مثل ما يفعل س أو ص من الناس وبالتالي هم في حالة من الضعف الداخلي الذي يثير الشفقة فهم يرون أن من يقلدونه هو الأقوى ويشعرون بالنقص لأنهم يرون أن من يقلدونه هو الأكمل فيعيشون بشخصيات ناقصة ومهزوزة من الداخل مهما تجملت من الخارج فهم في قلق مستمر بسبب رغبتهم في محاكاة كل من حولهم حتى لو كلفهم هذا تنامي الشعور السيئ بالعار في أعماقهم لأنهم يشعرون بأنهم أقل من غيرهم !
ومع وجود نوافذ رقمية متعددة على بيوت الآخرين وممتلكاتهم ومناسباتهم ترى منها ماذا يأكلون ويشربون وأين يذهبون واستعراض كل شيء وأي شيء تحول التقليد إلى ظاهرة مقيتة جداً حتى أنه تحول عند ضعاف الوعي إلى ضرورة لا تستقيم حياتهم إلا به ودفع كثير منهم إلى الكذب والتصنع والتكلف الشديد حتى يكونوا مثل غيرهم، وهنا يتساوى المقلِد والمقلَّد وبعضهم لا يتوانى عن إفشاء رغبته في التقليد أو ربما يلمح له أو تنتفخ أوداجه وهو ينفي أنه يقلد!!
وبين عشية وضحاها أصبح التقليد مزية يدللونها ويسمونها (الهبة) بمعنى أن الناس تهب في استخدام شيء ما لمجرد السير في الطريق الذي سار فيه من حوله حتى ولو كان هذا الشيء لا يعجبه! لقد وصل الأمر إلى مأكلهم ومشربهم وأخضعوه للهبة! بل حتى الأطفال تتوالى الإساءة لمشاعرهم وعقولهم وأجسادهم باسم الهبة! هل ترون ما تفعله بعض الأمهات مع أطفالهن في المقاهي حين يلتقطون لهم الصور وهم يشربون أكواب القهوة الشهيرة وبعضهم لم يتجاوز السادسة من عمره! ثم تجدها بعد بعض الوقت تشتكي من فرط نشاطه وميله للسهر! وكأنها لا تعلم بأنه شرب كمية من الكافيين تضرب رؤوس الكبار فما بالكم بالأطفال؟! وفي جانب آخر من التقليد المرضي صار الإقبال والدعوة لعمليات التجميل ببساطة الدعوة لدخول مقهى! فتشابهت الوجوه والأجساد وتشوه الشباب الجميل بكور خدودية الفيلر وحواجب شيطانية تسمى شد الصدغين!!
ولا نعلم ماذا تخبئ الأيام القادمة من هبات ولكني أتمنى أن تهب علينا نسائم الوعي والاستنارة العقلية التي تخفف من حدة هذه الفوضى الاجتماعية.
http://www.alriyadh.com/1964520]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]