بالنظر في الواقع الذي عاشه الأولون فأمر الشاب غير المهتم بصبوته وشبابه يعد مخالفًا للعادة وملفتًا للنظر، ولكنه لا يقارن بالنسبة إلى من قد يشابهه من شباب هذا العصر الذين داهمتهم ملذات الحياة من كل اتجاه، من مطعم وملبس ومأكل ومشرب، ومن لهو ومغريات عصرية تذهل العقول، ولم تأت هذه المغريات متدرجة لكي تنظم طريقة استقبالها وتتأقلم معها الأجيال، ولكنها فاجأت الكبير قبل الصغير، والعالم قبل الجاهل، وانساق معها العالم ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصغارًا..
في المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عجب ربنا من الشاب الذي ليست له صبوة. ومجرد قراءة هذا الحديث تغني عن تفسيره الذي يرسم في الذهن صورة عن ذلك الشاب "النادر" الذي لا تعنيه ولا يهتم لميولات نفسه الغريزية، مع كثرة وقوة دواعيها في نفسه من حيث كونه شابا أو من حيث رؤيته لأقرانه في شارعه وفي مدرسته وفي حياته اليومية، وهم يأتون اللهو والمزاح والمراح الذي تقتضيه أعمارهم وقواهم وأوساطهم، ولكن بتأمل نص الحديث فإن انعدام تلك الصبوة منه لا يتاح لكل شاب أو شابة، ولكنه أمر نادر، والنادر لا حكم له!
إذن هو مدح لحالة خاصة لم تتظافر الأدلة والنصوص على الترغيب في تجشم الاقتداء بها لئلا يسلك الشباب مسلك تصنّع الزهد والانقطاع عن الغرائز المفضي إلى الحور والتراجع عن الشرّة والاندفاع عكسًا، لذلك جاءت الشريعة بعمومها إلى الترغيب في ممارسة الحياة بطبيعتها وإعطاء النفس حقها من مباحات الدنيا ومن صبوة الشباب.
وبالنظر في الواقع الذي عاشه الأولون فأمر الشاب غير المهتم بصبوته وشبابه يعد مخالفًا للعادة وملفتًا للنظر، ولكنه لا يقارن بالنسبة إلى من قد يشابهه من شباب هذا العصر الذين داهمتهم ملذات الحياة من كل اتجاه، من مطعم وملبس ومأكل ومشرب، ومن لهو ومغريات عصرية تذهل العقول، ولم تأت هذه المغريات متدرجة لكي تنظم طريقة استقبالها وتتأقلم معها الأجيال، ولكنها فاجأت الكبير قبل الصغير، والعالم قبل الجاهل، وانساق معها العالم ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصغارًا، وانفتحت بين يدي كل فرد في المجتمع أبواب متنوعة وبلمسة زر، للتعبير عن مواهبه وصبوته! وزاد من إغرائها أن تكنولوجيا العصر تتيح للشاب التخفي والظهور بشخصية وهمية أو غير شخصيته المعروفة، وربما ازدوجت كثير من شخصيات أبنائنا وبناتنا تماشيًا مع المجتمعات التي يجدها في مواقع التواصل، فقد تجد الشاب أو الشابة مثلًا على منصة من منصات التواصل وكأنّه يعيش في بلد من بلاد الغرب، فتجده غير محتشم في لباسه ولا في كلامه ولا في طريقة طرحه، احتشامَه وهو يغادر عتبة منزله إلى الشارع، مع أن من كان يخاطبهم في موقع تواصله، هم من سيجدهـــــم فـــــــــي المقهــــــــى وفي الشارع، فهل هذا الازدواج ممدوح أو مذموم؟
لا شك أن هذه الظواهر الاجتماعية تحتـــــــــاج لدراسات اجتماعية ومعالجات مدروسة، ولكن قد أساهم ولو في الإطار العام لتوصيف هذه الحال، وذلك حتى لا يُلقى اللوم على هذا أو ذاك من الشباب لمخالفته في مواقع التواصل ما يفرضه عليه مجتمعه من تجشم الحشمة والانضباط بالتقاليد، فإن المجتمع مساهم بنسبة كبيرة في ردة فعل كثير من الشباب، والتي يلجأ إليها لتفجير ما عنده من صبوة ومواهب وإبداعات، ولكنه يظهرها في قالب معاندته للمجتمع ولحياته الواقعية التي يرى فيها وأد شخصيته الإبداعية، فتأتي تصرفاته كردة فعل، وردات الفعل لا تراعَى فيها ضوابط التصرف، ولذلك نرى ما نرى، مع إمكانية أن يكون الشاب مشهورًا مبدعًا في واقعه الحقيقي لولا القيود المجتمعية "والشحنات السلبية" المنتشرة في الجو العائلي.
وهنا تأتي المساهمة المجتمعية في التخفيف من ردات فعل الشباب، وذلك بمراجعة كثير من الموروث من العادات التي لم تعد تواكب هذا العصر، فأصبحت عقبات ينبغي إزاحتها عن طريق أبنائنا، إذ ليس في الاستغناء عن كثير من العادات والتقاليد مخالفة لكتاب ولا لسنة، غير أن المجتمع بما توارثه – زمن عن زمن - رسم حواجز وهمية من الموانع والقيود التي لا يستطيع أن يفسرها بمبرر، فضلًا عن أن يستدل على وجودها بآية أو حديث. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1979929]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]