يقوم نموذج السوق الحرة كما ذكرت في مقالات سابقة على بحث الفرد عن مصلحته في بيئة تسمح له بحرية الاختيار، ومع نجاح نموذج السوق الحرة في كثير من الجوانب فإنه انتقد في جوانب أخرى من أشهرها عجزها عن حل مشكلة مأساة المشترك، وكما في مأساة المشترك، نجد أن الاستثمار في الابتكار يمثل تحديا للسوق الحرة.
تجد الشركات الخاصة الابتكار جذابا إذا كان له مردود مباشر وفي مدة نسبية، مما يعني أن الابتكارات التي تأخذ وقتا أطول ليس محلها القطاع الخاص أو السوق الحرة، وتجد السوق الحرة في الابتكار مشكلة لأمرين اثنين: المعلومات والمخاطر، إذا طالت المدة حتى يؤدي الابتكار نتائجه الموعودة شحت المعلومات وارتفعت المخاطر، فإذا كان المشروع الابتكاري طويلا، فلن يستطيع أحد التنبؤ على وجه الدقة بنجاحه من عدمه، من أجل ذلك يحجم القطاع الخاص عن الدخول في المشاريع طويلة المدى مما يعني عجز نموذج السوق الحرة عن تأدية دوره الاقتصادي العام.
تشترك مشكلة الابتكار مع مشكلة مأساة المشترك في أن الفائدة من المشروع الابتكاري طويل المدى مشتركة، فهي أقرب ما تكون للنفع العام، وإذا كان الأمر متعلقا بالنفع العام فإنه يتعارض عمليا مع مفهوم المصلحة الذاتية التي تقوم عليه السوق الحرة، هذا التعارض أدى إلى وجود فجوة بين الشأن الاقتصادي والاجتماعي في كثير من الموضوعات نتيجة لتبني مفهوم السوق الحرة الخالص.
لسد الفجوة الاقتصادية الاجتماعية التي يخلفها نموذج السوق الحرة الخالص، تأتي الدولة بدورها العام في توفير البنية التحتية للاقتصاد الوطني لضمان حركة التنمية بتوفير التعليم والأمن العام مثلا، إضافة إلى دور الدولة المباشر، يأتي دور القطاع الثالث المتمثل في القطاع غير الربحي للمساهمة في ملء الفراغ بين الاقتصادي والاجتماعي باعتباره حلقة وصل بينهما.
في الحالات التي تتولى فيها المسؤولية قطاعات لا تعمل مدفوعة بالملكية الفردية، فإن كثير من الاقتصاديين يرى أنها معرضة لخطر أخلاقي. يأتي الخطر الأخلاقي نتيجة ضعف الدافع المعنوي لعدم وجود مصلحة شخصية مباشرة مما يأتي بمظاهر ضعف الإنتاجية التي يشكو منها القطاع العام عادة، ليس ذلك فقط، بل إن القطاع العام أقل قدرة على المخاطرة أيضا، مما يحيلنا إلى مأساة الابتكار، إذا زادت مدة المشروع الابتكاري تدنت المصلحة الشخصية وارتفعت المخاطرة، عندها يكون الابتكار غير صالح للقطاع الخاص من جانب المصلحة الشخصية وغير صالح للقطاع العام من جانب المخاطرة.
في كل مرة يخرج قطاع مثل الابتكار أو جزء منه عن نطاق السوق الحرة بسبب غياب المصلحة الشخصية والمخاطر العالية، يبحث الاقتصاديون عن حلول مبتكرة لإدخال القطاع إلى حيزها، ورغم الحلول المبتكرة التي دخلت حيز التنفيذ بعضها، ما زال جزء كبير من الابتكار النوعي يتحمل مخاطره القطاع العام ولو بأدوات القطاع الخاص أحيانا.
http://www.alriyadh.com/1986775]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]