"هل رحلة الشيخ علي الجرجاوي إلى اليابان عام 1909م حقيقية؟ هل أسلم على يديه فعلاً اثنا عشر ألف ياباني؟"، بادرني الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالله الحمدان صاحب مكتبة تراثية في مدينة الرياض بهذه الأسئلة في اتصال هاتفي مفاجئ، وأكرمني بإرسال نسخة من كتاب الشيخ الجرجاوي (الرحلة اليابانية) والذي تمت طباعته عام 1325هـ /1907م لتحكي قصة زيارة هذا الشيخ المصري إلى بلاد الشمس المشرقة.. واعترف وأقر بأن الدراسات التاريخية ليست مجال تخصصي، ولكن فجرت هذه الأسئلة لدي فضولاً علمياً لم أستطع معه مقاومة الرغبة في البحث عن الإجابات.. ولا أنسى أن أعبر عن امتناني لصديقي د. عبدالله المبارك مدير المعهد العربي الإسلامي في طوكيو السابق على دعمه الكبير لي في جمع مجموعة من مصادر المعلومات لهذه المقالة.
وننطلق من سؤال من هو الشيخ الجرجاوي؟ وما قصة رحلته لليابان؟ في عام 1324 هـ /1906م وصلت الأنباء إلى العالم الإسلامي بأن الحكومة اليابانية ستعقد مؤتمرًا كبيرًا للمقارنة بين الأديان المختلفة من أجل اختيار أفضلها ليكون الدين الرسمي للامبراطورية، وسمع الشيخ علي الجرجاوي بالخبر فكتب في صحيفة الإرشاد يدعو الأزهر وعلماء المسلمين للمشاركة لإقناع الشعب الياباني وإمبراطوره بالإسلام. وقرر السفر بنفسه واستقل الباخرة من الإسكندرية إلى اليابان ووثق قصته في كتاب بعنوان "الرحلة اليابانية"، وذكر أنه أقنع 12 ألف ياباني ليدخلوا في الإسلام وكان معه في الرحلة مسلمون من الهند والصين وروسيا.
وهنا يطرح السؤال الأهم: هل كانت هذه الرحلة وأحداثها حقيقية؟ ولكي أدخل في الجواب مباشرة: تنقسم الآراء إلى قسمين: قسم يرى أن الجرجاوي لم يزر اليابان أصلاً، والقسم الثاني يرى أنه تمكن من زيارة اليابان. وأطرح عليكم الأسباب التي تشكك في صحة الزيارة وما ورد فيها من معلومات. وأنطلق من حديث الباحث الياباني المسلم المتخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمحاضر في عدد من الجامعات اليابانية الشيخ سعيد ساتو، حيث يطرح النقاط التالية:
تم تدوين عدة كتب وبحوث عن تاريخ الإسلام في اليابان في مختلف الأزمنة ولكن لم يتطرق أي باحث ياباني لهذه القصة ولا يوجد شيء مكتوب عن المؤتمر المذكور.
من الصعب جداً قبول فكرة أن يدخل الإسلام عدد كبير يصل إلى 12 ألف ياباني في ثلاثة أشهر على يد شخص أو أشخاص لا يعرفون اللغة والثقافة اليابانية.
تاريخياً يُعرف عهد ميجي الذي انعقد فيه هذا المؤتمر الدولي المذكور في قصة الجرجاوي بحرص حكومة اليابان على اتخاذ ديانة الشينتو ديانة رسمية في اليابان منذ بدايتها، وذلك لإرادة هذه الحكومة الجديدة تقوية مشروعية حكمها لليابان لأن حكومة ميجي تم تكوينها عن طريق انقلاب مؤيدي الإمبراطورية ضد حكومة إيدو العسكرية والتي كانت تسيطر على العائلة الإمبراطورية، وكانت تتخذ حكومة إيدو البوذية ديانة رسمية للدولة. ومن المعلوم أن الـ"شينتو" لها علاقة وثيقة بالعائلة الإمبراطورية، وأن كتبها مليئة بدلائل مشروعية العائلة الإمبراطورية في حكم دولة اليابان بل في ثناياها وصف بأن العائلة الإمبراطورية من سلالة "الآلهة".
من ناحية أخرى، يذكر د. صالح السامرائي، الباحث والخبير في الدراسات الإسلامية في اليابان، أنه قرأ في مرجع نقل عن مجلة "الأخوة الإسلامية" التي كانت تصدر في طوكيو باللغة الإنجليزية ما بين عامي 1910 و1912 أن عربياً وصل إلى هونج كونغ ومن هناك اتجه إلى تايوان فظن نفسه أنه في اليابان ورأى أعداداً كثيرة من المسلمين الصينيين فظن أن هؤلاء يابانيين تحولوا للإسلام، وأن هذا العربي (لم يذكر اسم الجرجاوي ولا اسم كتابه) ألف كتاباً ترجم إلى للهندية وكأنه يستكثر عليه هذا.
ولكن حتى احتمال زيارة الشيخ الجرجاوي إلى تايوان أجد صعوبة في تقبلها، تذكر مصادر تاريخية أن الإسلام وصل لتايوان في القرن السابع عشر مع حملة عسكرية صينية ضمت عوائل مسلمة عام 1661م لإخراج الهولنديين من مدينة تاينان. ولكن تم القضاء على الآثار النهائية لأول هجرة للمسلمين إلى تايوان خلال الحكم الياباني لتايوان في 1895-1945، حيث منعت الحكومة اليابانية التايوانيين عموماً ومنهم المسلمين من ممارسة أي دين أجنبي. وهذه الحقيقة التاريخية تتعارض مع قصة المؤتمر وإسلام اليابانيين المذكورة في قصة الجرجاوي.
من ناحية أخرى يذكر د. السامرائي أنه لم يجد مصدراً واحداً، ولم يجد أثراً للأشخاص المسلمين الذين ذكرهم الجرجاوي في كتابه ورحلته لليابان، وهم الهندي والصيني والروسي.
ولكن وللأمانة العلمية، فهنالك دلائل تشير إلى أن الشيخ الجرجاوي زار اليابان، ومنها ذكره الصحيح لأسماء الصحف اليابانية والمدن ومسار الرحلة من يوكوهاما لطوكيو ومنها لكيوتو، ووصف الجنائز الشنتوية والبوذية في اليابان، أضف لذلك أن الرجل باع عدداً من الفدانات من أملاكه لتمويل الرحلة، وكانت له كتابات متعددة عن اليابان بعد عودته.
وختاماً، أتفق مع ما ذكرته الباحثة د. ريم أحمد في بحثها للدكتوراة أن هنالك احتمالية كبيرة بأن زيارة الشيخ الجرجاوي إلى اليابان حصلت فعلاً، ولكن لا يوجد دليل على صحة مؤتمر الأديان أو إسلام الاثني عشر ألف ياباني..




http://www.alriyadh.com/2010723]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]