وداعًا عبدالكريم عبدالقادر، وداعًا أيها الفنان الكبير العظيم، أعترف أنني الآن أتعرف عليك من جديد، أستمع إلى حواراتك وأقدرك من جديد، فقدناك، لكن فنّك يبقى، وما حاولت غرسه في البيئة الفنية يبقى، وما تحدثت عنه من قيمة الفنان ومعاناته والثمن الذي يدفعه من أجل مواقفه، كل ذلك يبقى. الفنانون أمثالك خالدون، لا يغادرون الذاكرة، يبقى فنهم خالداً، لأنهم حين قدموه كانوا يقدمون أفضل ما لديهم بثقة الفنان، وخبرة الفنان، وحس الفنان.
من لقاءاته القليلة تعرف مقدار احترامه لنفسه وفنه، ومنها تعرف لماذا هو بداخلنا كبير ومهم، راقٍ ورفيع.
بدأ وانتهى هاوٍ، وهو هذا الفنان الكبير، استمر موظفاً في وزارة الإعلام حتى التقاعد، وراتب التقاعد هو الذي مكنه من الحفاظ على خطه، والتعامل مع فنه بروح الهاوي وليس المحترف الذي يضطر لخوض أمور ليس الهاوي مجبراً عليها. اختيار صعب ومشرف، خيار يدل على روح الفنان الذي لا يريد أن يتنازل ويقدم ما يراه أقل أو حتى لا يوائم ذائقته، وهو حتى حين اعترف بأنه جامل أحيانًا كان يقول ذلك وهو يشعر بالخجل، لكنه اعتراف القوي الواثق، الذي يعتذر من جمهوره ويعد أن يحاول ألا يستسلم للضغوط، وألا يجامل.
في لقاءاته دروس نتعلمها، كيف تختار، ما معنى أن تختار، كيف تحافظ على خياراتك، كيف تحافظ على فنك، والاستمرارية، والتغيير، وأهمية التغيير للاستمرار عند الفنان، والصرامة في اتخاذ المواقف، والكرامة، والثقة بالنفس والوطن والعائلة وأمور أخرى كثيرة.
بعد مشوار طويل بدأ في الستينات التزم فيه بالأغنية الرومانسية الحزينة، بعد أغنية دينية وأخرى شرقية، اختار بتصميم لونًا شعبيًا خاصًا به، وقدم أغانٍ، مثل: "سرى الليل يا قمرنا" و"آه يالاسمر يا زين". العديد من الأعمال الخالدة في مراحل متنوعة، مع أحمد باقر ثم عبدالرب إدريس الذي قدم معه روائع مثل: "غريب وأنا رديت"، بعد كل مرحلة يقرر أن ينتقل لملحن جديد يتجدد معه لأنه يؤمن أن الحياة تحتاج إلى ذلك، وأن الرغبة في الحفاظ على المكانة لا تعني السكون والتكرار، إنما التغيير والبحث عن الجديد، لكن، بمعايير الفن الرفيع، الفن الذي ترتضيه ذائقة الفنان الكبير.
ترك صرخة جريحة ينادي فيها أن نهتم بالفن، وندعمه، ونخلصه من براثن "البزنس" قدر الاستطاعة، هو استطاع، من في زمننا قادر على فعل ذلك، كان نبراساً، ربما حمل الراية آخرون.
ترك لنا كنزاً من الأغاني، بمشاركة عمالقة الفن الغنائي من ملحنين وكتاب، خالدًا سيبقى.
لياليك دنيانا وغناويك نجوانا، عبدالكريم عبدالقادر أعز الناس يودعنا.




http://www.alriyadh.com/2012771]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]