المملكة اليوم تعيش أفضل أوقاتها من حيث السعي لامتلاك المزيد من القوة بكل مقوماتها، وتحقيق الاستدامة في مشروعاتها، وأفضل المشروعات الناجحة هي تربية مواطن صالح يبهر العالم بأخلاقه وسلوكه وغزارة إنتاجه، والطريق إلى ذلك هو الاهتمام بالتعليم بكل مراحله، مهما كانت التكلفة، ومهما كان الوقت..
مجندة تحتضن طفلا، تمسكه بحنان الأم واستشعار عظم المهمة. تتصدر صورتها صفحات العالم، شيخ مسنّ يتحدث من فلوريدا بعد عودته من مكة المكرمة، يحدث العالم بما رأى من خدمات لا مثيل لها، شباب وشابات يقدمون العون لكل وافد إلى هذه المملكة الفتية. جهود جبارة بذلت من جهات مختلفة في المملكة، نفذت بكل احتراف ومهنية لإجلاء آلاف الجنسيات من السودان دون النظر إلى مناصبهم أو جنسياتهم.. جهود دبلوماسية حثيثة لوقف الاقتتال في السودان، وقبل أن تشتد الأزمة وتتحول المواجهات إلى حرب أهلية يصعب توقيفها. جهود مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لمد يد العون للشعب السوداني، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وفود من مختلف دول العالم العربي والاسلامي تأتي إلى مكة المكرمة من أجل العمرة والبحث عن حلول لخلافات طال أمدها. في الداخل ورشة عمل كبيرة، وقيادة تبحر بسفينة الوطن إلى برّ السلام والازدهار، قيادة تجمع بين الخبرة والشجاعة وبعد النظر. خطوات مباركة تتخذها القيادة لتضفي على المنطقة حالات من التفاؤل والأمل بمستقبل أفضل. نسمات السلام تهب على المنطقة بعد عقود من الحروب والمؤامرات. خطوات مباركة فرح بها كل مخلص ومحب للسلام، لحل الخلافات القائمة بين المملكة وإيران. وهو ما انعكس إيجاباً على حلّ مجمل خلافات المنطقة.
المملكة اليوم تحارب على جبهات كثيرة من أجل السلام والبناء، خطوات غير مسبوقة في الداخل، من أهمها وضع رؤية واضحة هدفها تنويع مصادر الدخل، وتمكين المرأة، والقضاء على البطالة، ورفع مستوى المعيشة، لتنعكس جميعها على جودة حياة المواطن والمقيم، وجودة التعليم والصحة، قيادة تسعى جاهدة لامتلاك القوة بكل مقوماتها، الاقتصادية والعسكرية والسياسية والقوة الناعمة.
تغييرات كثيرة إيجابية ومتسارعة تعيشها المملكة، ومن يقرأ التاريخ يجد أن العامل الحاسم في التطور والتقدم هو القيادة. عجلة التقدم لا تتوقف، رغم أنها صعبة ومكلفة، وتحتاج إلى شجاعة وصبر ومتابعة. والدول التي تمكنت من الوصول إلى العالم الأول قليلة، واحتاجت إلى عشرات السنين حتى تتمكن من الوصول لهذا النادي. ومن أهم العوامل التي أسهمت في وصولها ما يأتي:
أولاً: التعليم هو العامل الحاسم لكل إصلاح وتطوير، ذلك أن التقدم يحتاج إلى جهود الجميع، والتعليم هو الوحيد القادر على تصحيح العادات وزرع عادات جديدة، وتوجيه العقول والسواعد للبناء. هو الذي يؤصل للقيم والأخلاق. مع التعليم الجيد تختفي الكثير من الممارسات الخاطئة التي تؤثر على مستوى الخدمات ونظافة البلد. من التعليم الموجه يتعلم الشعب قيمة الوقت والنظافة وحماية الممتلكات الخاصة والعامة والبيئة بشكل عام، زرع العادات يبدأ من مرحلة رياض الأطفال، بشرط أن نجعل من الممارسات الجميلة أسلوب حياة. والدليل على ذلك الشعب الياباني، فمن تعليمه المتميز أصبح الشعب معروفاً على مستوى العالم بحب النظام وتطبيقه، واحترام الوقت، وإتقان العمل، ذلك لأن التعليم في اليابان ركز ومن الصفوف الأولى على ذلك. فالتجاوزات والإهمال والعبث في المرافق العامة يمكن معالجتها في المدارس، حين يصبح التعليم موجه للتطبيق والممارسة، بدل الحفظ وحشو الأدمغة.
ثانياً: أعظم خطوات إصلاح التعليم هو إصلاح المناهج، بدءاً بالمعلم الذي هو الأساس لأي تطوير، فالاهتمام بالمعلم يعطي نتائج باهرة بإذن الله. معلم اليوم يجب أن يكون أفضل من معلم الأمس، بالأمس كانت الشدة والقسوة هي السائدة بين المعلمين، اليوم تتولى المرأة التعليم في المراحل الأولى من سنوات الدراسة، وهي الأقدر على التربية والصبر على متطلبات تلك المرحلة. لكن المعلمة بحاجة إلى تأهيل وتشجيع. والأهم وجود قيادة مؤهلة في المدرسة تركز على رفع الروح المعنوية، وتشارك في الأنشطة، وتتفهم متطلبات الطالب والمعلمة.
ثالثاً: لابد من إشراك المنزل في العملية التعليمية، فالأم والأب يجب أن يتفاعلا مع المدرسة ومتطلباتها. فالبيت مكمل لما تقوم به المدرسة من تربية وزرع قيم نبيلة، بل يجب أن يكون البيت هو الأساس للتربية السليمة. لذا فعلاقة البيت بالمدرسة يجب أن تكون قوية ومستمرة، وتكاملية.
رابعاً: للمسجد دور في تعليم النظام وتحبيب الناس فيه؛ بدءاً بوضع الأحذية في مكانها وحتى الخروج من المسجد، يجب أن يعرف المصلي من خلال خطب الجمعة أن العبادات لا تقتصر على ما هو معروف من العبادات المقيدة، لكنها تعني كل ما يزيد المسلم قوة، وكل ما يعزز النظام والنظافة وإتقان العمل واحترام البيئة والاهتمام بالصحة وغيرها، إبراز عظمة الدين لا تكون بكثرة الكلام وترديده، بل أن يراه الآخر في سلوك المسلم وتصرفاته واحترامه لغيره، وللبيئة بكل ما فيها.
المملكة اليوم تعيش أفضل أوقاتها من حيث السعي لامتلاك المزيد من القوة بكل مقوماتها، وتحقيق الاستدامة في مشروعاتها، وأفضل المشروعات الناجحة هي تربية مواطن صالح يبهر العالم بأخلاقه وسلوكه وغزارة إنتاجه، والطريق إلى ذلك هو الاهتمام بالتعليم بكل مراحله، مهما كانت التكلفة، ومهما كان الوقت المطلوب للتطوير والإصلاح.
http://www.alriyadh.com/2013121]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]