الصورة البارزة اليوم أمام السعوديين أولًا قبل الأميركيين، هي أن قيادتهم السياسية ليست مستوعبة للمتغيرات الدولية المحيطة بها فقط، بل صارت مساهماً رئيساً في حل التحديات المستقبلية للعالم، وهذا جزء مهم لفهم المحاور التي تتجه لها الرياض في بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، ضمن استراتيجية تنموية جديدة..
نعلم جميعًا أن مستوى العلاقات بين الرياض وواشنطن أصابها نوع من البرود والفتور السياسي، وهذا ما أشرت إليه سابقًا في أكثر من مقال، ويعود ذلك باختصار شديد إلى تنصل الإدارة الأميركية الحالية من التزاماتها وتعهداتها تجاه السعودية حليفها الاستراتيجي الأهم في المنطقة، وهي امتداد لشراكة طويلة تتجاوز الثمانية عقود.
خلال الأسبوعين المنصرمين، يمكن لأي مراقب لمسار العلاقات السعودية - الأميركية، أن يرى ملامح فكرية سياسية بدت تطفو على السطح، من جانب النخب الأميركية، التي بدأت صراحة من دون مواربة في تصعيد "نقدها الذاتي" الموجه مباشرة إلى أركان صناع القرار في البيت الأبيض، ورئيسهم جو بايدن.
نعم هناك نخب أميركية غاضبة منا بشأن التغييرات الديناميكية السعودية، كالاقتراب من الروس والصينيين، والاتفاق مع إيران، والدخول في استثمارات رياضية كبرى، لكن في المقابل - وهو الأهم - ظهرت نخب موازية ترى ضرورة إعادة الإدارة الأميركية لبوصلتها تجاه علاقاتها الاستراتيجية مع الإدارة السياسية السعودية، مع أهمية التعامل معها وفق إطار الشراكة لا التبعية، فالسعوديون برهنوا بما لا يدع مجالًا للشك أن مصلحة أمنهم القومي تأتي في المقام الأول، لذلك كانت تحركاتهم مؤلمة للحليف الأميركي.
من المقالات التي من المهم الإشارة إليها هنا، ما كتبه الصحافي المعروف توماس فريدمان بشكل متعمق في صحيفة نيويورك تايمز، والتي جاءت تحت عنوان "من تل أبيب إلى الرياض"، رغم أن المقال طويل، إلا أن الرجل خاض في كثير من التفاصيل السياسية والاجتماعية والفكرية، وسأحاول التركيز على بعض المحاور المتعلقة بموضوعنا.
من النقاط الجوهرية في مقال فريدمان، نقده المباشر للمسؤولين الأميركيين الذين يتبنون دائمًا نهجًا متحفظا تجاه المملكة العربية السعودية، واصفًا فعلهم بـ "اللا مسؤول" ضد حليف كبير مثل السعودية، وفي هذا تجاهل للإصلاحات الواسعة والشعبية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الداخل، والتي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات صحية ليس في السعودية فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره، وهو يصب بالجملة بشكل كبير في مصلحة أميركا.
استطاعت القيادة السعودية - وفقًا لفريدمان - من أن تنقل طموحاتها من الأعلى للأسفل، خاصة إلى القادة الشباب، الذين باتوا يدركون تمامًا أن "النفط لن يكون موجودا إلى الأبد"، لذلك زاد إيمانهم بسبب رؤية ولي العهد في تعظيم القدرات التنافسية لبلادهم، وأهمية تنويع مصادر النمو؛ للوصول إلى اقتصاد أكثر مرونة، مع إطلاق عنان الإمكانات الكاملة للمجتمع.
من التغيرات التي رصدها توماس فريدمان في مقاله التحولات المجتمعية العميقة، وهنا أذكر ما نصه بتصرف: "إذا لم تزر السعودية في السنوات الخمس الماضية فستجد نفسك أمام بلد جديد بالكامل، فعندما زرت الرياض آخر مرة نهاية العام 2017، لم يكن مسموحا للنساء السعوديات بقيادة السيارات، فالنساء اليوم لا يجلسن خلف عجلة القيادة فحسب، بل ساعدت أول رائدة فضاء سعودية وأول رائدة فضاء عربية، ريانة برناوي، في قيادة صاروخ سبيس إكس فالكون 9 من مركز كينيدي للفضاء إلى محطة الفضاء الدولية".
ننتقل إلى مقال آخر كتبه روب سبحاني في صحيفة "الواشطن تايمز"، والذي كان أكثر جرأة من توماس فريدمان في بعض التفاصيل، إذ قال: "على واشنطن أن تمد يد التعاون بشكل حقيقي ومبني على الاحترام إلى ولي العهد السعودي الذي يتمتع ببعد نظر دقيق، وإذا أرادت اختيار صديق لها، فلن يكون أفضل من الأمير محمد بن سلمان، المعروف على نطاق واسع على المسرح العالمي".
ما يميز ولي العهد السعودي - بحسب سبحاني - دوافع إيجابية لخلق "نهضة سعودية جديدة"، لذلك لن تجد الولايات المتحدة شريكًا أفضل منه لمواجهة التحديات العالمية.
لا نستطيع إبراز جميع تفاصيل المقالين السابقين - رغم أهميتهما - إلا أن الصورة البارزة اليوم أمام السعوديين أولًا قبل الأميركيين، هي أن قيادتهم السياسية ليست مستوعبة للمتغيرات الدولية المحيطة بها فقط، بل صارت مساهما رئيسا في حل التحديات المستقبلية للعالم، وهذا جزء مهم لفهم المحاور التي تتجه لها الرياض في بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، ضمن استراتيجية تنموية جديدة.. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/2017063]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]