-
القِصَّةُ: الفَنُّ الذِي لا يَمُوتُ
بعيداً عن التجنيس الأدبي للقصة، نعتناها هنا بالفن؛ لأنها داخلة في كل حيّز، وفي كل مجال؛ فالقصة يستعين بها الواعظ، والتاجر، والطبيب، والمؤرخ، والمعلّم، وغيرهم من كل من أراد أن يجعل من القصة باباً لموضوعه، أو طريقاً لشرح ما لديه، ولو تأملنا في حضور القصة في حياتنا اليومية، سنعثر عليها في كل أمر، وشأن، حتى في تفاصيلنا الصغيرة، في أحاديثنا, وأخبارنا، وذكرياتنا، ومروياتنا، فضلاً عن كونها وسيلة تشويق, وتسلية سواء مع الصغار، أو الكبار، وما زلتُ أذكر تفاصيل القصص الجميلة التي كانت جدتي لأبي، وجدتي لأمي تسردانها علينا، كان لتلك السرود في حينها جمالها، وفيما بعد بريقها وظلالها.
إن من ينظر في مسار القصة منذ قرون غابرة إلى يومنا هذا سيلحظ أن القصة شريانٌ مهم من شرايين الحياة, بل هي وريد ينبض داخل الإنسان، فيظل يسقي حاضره، ومستقبله، وذكرياته وطموحاته؛ ولهذا وُجدت القصة مع الإنسان الأول، وذلك من خلال النقوش المحفورة على الجبال، تلك التي كانت تصوّر أبعاداً كثيرة من حياة الناس في تلك الحقب الموغلة في القدم، كما لُمِست حاضرة في أقدم النصوص الأدبية العالمية، كملحمة (جلجامش) السومرية على سبيل المثال التي تنضح باللون القصصي.
وبصرف النظر عن مجازية وأقدمية تلك النقوش، والنصوص، والكتابات عموماً في كونها تحكي لنا، وتقصّ علينا ما يقوم به الإنسان، فإنني ما زلت أتذكر زميلاً أثريّاً كان يحدثني عن آخر اكتشافاته النقوشية، حيث عثر هو وفريقه على بعض النقوش، فلما سألته أن يمدني ببعضها ذكر لي أن من ضمنها مثلاً عبارةً كانت على هذا النحو: (فلانٌ يتشوّق إلى فلانة), قلتُ: إن هذه العبارة سردية بامتياز، وهي كذلك تكشف لنا كيف كان الأثر القصصي شريكاً في بقاء هذا النقش وصموده على تعاقب الأزمان.
وقد لفت انتباهي اليوم كيف أصبحت القصة وسيلة من وسائل التشويق في فضاء (الميديا) عبر وسائل الإعلام، وقنوات التواصل الاجتماعي، ونحوها، ومن ينظر مثلاً في منشورات (فيسبوك)، أو مقاطع (تيك توك)، سيجد النفس القصصي حاضراً في كثير من تلك المواد المنشورة، بل إن من يذهب إلى (تويتر) سيلمس كيف أصبح اللون القصصي مؤثراً في أكثر النصوص؛ إذ ظهرت التغريدات المسلسلة, أو ما تعرف ب (thread) أي سلسلة مرتبطة ببعضها من حيث الكاتب، والموضوع، والغرض المقصود، وقد ظهرت بعض الحسابات التي اختطت لنفسها مسلكاً قصصيّاً، فأصبحت متخصصة في هذا الفن، تعرض محتواها بشكل يومي من خلال تلك السلاسل الحكائية.
قلتُ هذا بعيداً عن القصة في إطارها الأدبي, والنقدي, أي بعيداً عن القصة بوصفها إبداعاً مقصوداً، أو غرضاً منشوداً، فذلك ميدان إبداعي آخر، وهو ميدان أكثر عمقاً، وتخصصاً، وتنوّعاً، ففيه القصة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، التي يرمز لها بــ (ق.ق.ج)، وأظن أن تلاقح القصة المتخصصة (الإبداعية)، بالقصة الوظيفية (الإجرائية) هو أمر كفيل – في نظري - بأن يُخرِج لنا فنّاً قصصياً أكثر إمتاعاً وإقناعاً، ولا سيما إذا استُثمِرت القصة الاستثمار الأمثل، كأن توظّف القصة القصيرة جداً ضمن تلك السلسلة القصصية في (تويتر) الذي يتناسب حيز خطابه مع حدود القصة القصيرة جداً، وهكذا يصبح للفن القصصي تميزه وتوهجه، فضلاً عن امتداده واستمراره.
http://www.alriyadh.com/2018071]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى