نعلم جميعاً أننا لسنا نسخاً مكررة من بعضنا، اهتماماتنا ومشاعرنا متباينة، ظروفنا وفرصنا متنوعة، غير أن سلوكنا يخالف ذلك تماماً! نحاول أن نقلد بعضنا كما لو كنا نسخاً "كربونية"، بل ونعيب على من لا يفعل ذلك!
قبل أيام كنت في رحلة جوية طويلة، فاستغلّيت الوقت بقراءة كتاب، لكنني لاحظت استراقة نظر جاري، وكأنما يقول لماذا تقرأ كتاباً؟ بينما يمكنك التمتع بالنظام المرئي في الطائرة، أو أن تنام! هنا أسقط في يدي، فكيف تشرح ما هو بديهي، وكيف توضح ما هو جلي! مثل الذي يجبرك على احتساء قهوة مقطّرة بينما تفضّل أنت الشاي التقليدي! أو يدفعك نحو دراسة تخصص يطلبه سوق العمل، بينما تُبصر شغفك في تخصص آخر.
لكل منا قصة مختلفة، تبدأ باختلاف مورثاته، حتى إخوته، وتمر بالوالدين وظروف النشأة، والحالة المادية والطبقة الاجتماعية، ومراحل التعليم، وتختلف باختلاف الاحتياجات والرغبات، ولا تنتهي بنوعية الأصدقاء أو التعرّض الإعلامي، كل هذا وغيره من العوامل تنتج أفراداً مختلفين عن بعضهم، نعم تجمعهم قواسم مشتركة تزيد وتنقص، لكن بالتأكيد لا يوجد على وجه الأرض شخصان متماثلان، حتى لو كانا توءماً متطابقاً.
نظلم أنفسنا حينما نجبرها على أن تكون نسخة كربونية من آخرين، أملاً بتحقيق نجاحاتهم، أو الفوز بقدر سعادتهم، وبدلاً من ذلك نحصل نتجية مشوهة، وعلى قدر من التعاسة، كوننا لم ننجح كما يجب، ولم نشعر بالسعادة المتوقعة! وهذا طبيعي لأننا مختلفون، وبالتأكيد أن ما يناسب الآخرين قد لا يناسبنا تماماً، بل قد يكون ضاراً لنا ولمن حولنا.
حينما تتأمل في سير الناجحين تجد أنهم اختطوا طريقاً مختلفاً لهم، ولم يركنوا لتقليد من حولهم، بل اتخذوا مساراً متميزاً، ولم يجعلوا حياتهم كما لو كانت نسخة كربونية لما يفعله الآخرون! لذا حينما تختط لنفسك طريقاً، من الضروري أن لا تلتفت لما حولك من مغريات أو مشتتات، وحتماً سوف تصل لما تريد، على عكس من يتوهم أن استنساخ تجربة ما سوف يقود لتحقيق نتائجها، وهذا من سابع المستحيلات.
الحياة أكبر من أن نحصرها في خيارات الآخرين، التي كانت نتائج إمكانياتهم وظروفهم المتاحة، بينما نحن نعيش في ظل ظروف مختلفة ونتمتع بإمكانيات كذلك مختلفة، فكيف تتم المقارنة؟! تلك قسمة ضِيزى.. لا بد أن تعرف من أنت؟ وماذا تريد؟ حتماً سوف تدرك مسار حياتك المتميز عن جميع البشر، ولن ترضى أن تكون نسخة -مهما كانت متقنة- من أحدهم.
حتماً النسخة الكربونية لن تكون كما الأصل، ناهيك عن أن الأصل بنى على أساسه "هو" وليس النسخة "أنت"، أفلا تستحق حياتك أن تكون نسختك "أنت" الأصل؟




http://www.alriyadh.com/2021472]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]